في رحاب آيـة
{أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كلِّ شيْءٍ قَدِيرٌ}
اعلم أيها العبد أن الله له السلطان القاهر والاستيلاء الشامل، المستلزمان للقدرة التامة على التصرف في ملكوت السماوات والأرض، وفيما اشتملا عليه من الخلائق إيجادا وإعداما إحياء وإماتة وتدبيرا ورزقا . وذكر الله السماوات بصيغة الجمع ولم يفردها لبيان سعة ملكه ، فالسماء الأولى بالنسبة إلى الثانية كحلقة في فلاة (صحراء) والثانية إلى الثالثة كذلك والثالثة إلى الرابعة كذلك إلى السابعة، والسابعة في الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في العرش كحلقة في فلاة. ومن فوقه رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه. إن السماوات بأفلاكها ومجراتها وشموسها وكواكبها كل ذلك معترف بربوبيته، خاضع لمشيئته وسلطانه. لا يخرج أي من منها عن تسخيره لهم ولسان حالهم يقول: (أتينا طائعين) . وذكْر الأرض مفردة إشارة إلى أن الأرضين طبقات متقاربة وهن سبع أرضين كما قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) أي سبع مثلهن، ولم تشر الآية إلى ملكية الله لما عليها؛ لأنه معلوم أن من ملك شيئا خضع له متعلقاته. أو لأنهم هم المخاطبون بذلك ولم يشر لهم للتحقير من شأنهم لأن ذكره لما هو أكبر منهم وأعظم خلقا فيه إشارة إلى سفاهة عقول من حادوا عن طريق هذا النبي العظيم. واختتمت الآية بأن الأمر راجع إليه سبحانه، يعذب من صد عن دينه ومن حادّ رسوله وحاربه، ولكن رحمته ومغفرته محيطة بمن آمن به، والعاقبة لهم وذلك كله لكمال قدرته فهو على كل شيء قدير .