هذه القصة في الزمن السابق
تجاور بالمنزل رجلان أحدهما من قبيلة الدواسر والآخر لم يعرف إسمه إلا أنه من منطقة الجنوب وإشتركا زراعة الأرض وتشاطرا العمل كل واحد يقوم بنصيبه على خير بنفس راضية فهذا يسوق السواني وذاك يحرث الأرض واستمرا على ذلك وبارك الله عملهما نتيجة لإخلاصهما وكلاهما يحمل للآخر وداً ومحبة ولم يأت أحدهما بما يفسد هذه المودة وزرعهما ينمو بسرعة كأنهما يسقيانه بالود والصفاء وأيضاً تصافت زوجتا الرجلين وكانت كلتاهما تساعد الأخرى في عمل المنزل وتنهض بعمل الثانية إذا ألمّ بها مرض أو خلافه وأخذت الجهود تتضافر لزراعة هذه الأرض وفي موسم الحصاد يحصدان ما رزقهما الله في صمت ولا يوجد ما يثير الضغينة أو يعكر الصفو .
ومضت الحياة على هذا وكل يوم يتأكد ما بينهما من مودة ومحبة أكثر فأكثر حتى أن بعضاً من الناس الحاسدين غاظهم أن يروا مثل هذه الجيرة الطيبة والرفقة المخلصة فعملوا على دس الفتن بين الرجلين فوشوا بوشيات كاذبة لكل منهما وبدأت الشكوك تجد سبيلها إلى نفسي الصديقين الطيبين حتى حدثت جفوة ثم شقاق وكل منهما صار يكره الآخر ولكن الزوجتين حزنتا لبشاعة ما يحدث وكلتاهما تحاول أن تثني زوجها عما بات يطويه من شر للآخر فأنتهى الأمر بالرجلين إلى الشكوى التي أدت إلى تدخل المسئولين والفصل بينهما وصار كل منهما ينفر من الآخر فعرض الرجل الدوسري على زوجته أن يرحلا ولكنها حاولت أن تكرر ما سبق لها من محاولة الإصلاح وتلح عليه في أن يعود للعهد السابق ولكنه كان قد أزمع على الرحيل ولسان حاله يقول كما قال الشاعر سليمان بن شريم من قصيدة طويلة له حول هذا الموضوع :
إلى شفت جفوا من رفيقي لقيتني=صبور ٍ على فرقاه في كل الأحوالي
ما أبيّن أسراره وعاره يعورني=أخليه في فاله وأنا أروح في فالي
ومنها
أصافح إلى شفت الجفا من رفاقتي=وأدوّر بدلهم لي رفاقه ومنزالي
الإبعاد عن دار المذلة معزة=ولو من ورى تونس مقامي هو أشوالي
ومنها
أراغم على لاماه وأرفا لزلته=ولا أطيع به واشي ولا قول عذالي
ولا نيب أدوّر عثرته عقب عشرته=أرى حقه الوافي بعقلي ومكيالي
وقال الدوسري أبياتاً منها
إلى جفاك الوطن لا تردم الساسي=خل الوطن للربوع اللي يرودونه
دار ٍ بدار ٍ وتهماج مع الناسي=أخير من مقعد ٍ لك كثرة إشطونه
أما تروح الدلي بالجم غطاسي=وإلا تجيك الدلي بالجم مشحونه
عقب صبي دلوه دايم ناسي=لا عدوا الناس لا هم ما يعدونه
يعيش من هو على درب الشرف قاسي=ما يسمع القول لا قاموا يعذلونه
وإلى أن يحين لنا الموعد مع قصة أخرى تقبلوا تحياتي
ودمتم برعاية رب العزة والجلال