كان في الزمن الماضي عالم كبير قد انتشر صيته، وتناقلت أخباره الركبان،
وكان له والد يحب أن يتظاهر بالعلم وأن يبدو أمام الناس
قريباً من ولده في الاطلاع وسعة المدارك،
ورحل هذا العالم هو ووالده إلى أحد المدن فحل فيها
ضيفاً على أحد كبار القوم فاحتفى به وأكرمه والتف الطلاب
على هذا العالم يغترفون من بحار علمه، والتف بعضهم
والده فهم يتصورون أن الوالد لا يقل فضلاً وعلماً
وعقلاً عن ولده إن لم يفقه،
وكان العالم يعرف من والده حب التظاهر كما أنه يعرف
منه القصور في العلم والمدارك فوكل به أحد الطلاب
الأذكياء وقال لوالده إذا سألك أحد عن أي مسألة
من مسائل العلم فقل: إن للعلماء فيها قولين،
ثم أحل الشرح والإيضاح إلا الطالب الذي
سوف يلازمك في مثل هذه المناسبات،
سار الوالد على هذا المنهاج، وكان كلما سئل
عن مسألة من مسائل العلم قال إن للعلماء
فيها قولين ثم أحل الشرح والتفصيل
للتلميذ المرافق له
، واستمر على هذا الحال مدة طويلة من
الزمن لا يكتشف أمره وأخيراً لاحظ أحد
الطلاب الأذكياء أن والد هذا العالم لا يعرف من العلم شيئاً،
وأنه يلازم تلك الجملة خوفاً من انكشاف أمره فقال
زملائه لا نعتقد أن عالماً فحلاً يكون والده جاهلاً،
فقال الطالب الذكي إنني سوف أكشفه
لكم حتى تتحققوا صدق فراستي،
واجتمع الطلاب والمعجبون يوم عند والد العالم
ووجه الطالب الذكي هذا السؤال: أفي الله شك؟
فقال والد العالم جملته الروتينية أن للعلماء في ذلك قولين،
ولاحظ الشيخ أنه أخطأ ولكنه قد فات الأوان لاستدراك
الخطأ وقال لمرافقه رقع يابو مرقع فقال الطالب
أن هذا شيء لا يمكن ترقيعه، وانكشف المغطى
وزال المزيف، وعاد كل شيء إلى أصله وإلى وضعه الطبيعي،
((قصة مثل))