هداج تيماء
تزخر منطقة تبوك في أنحائها المختلفة بالعديد من المعالم والشواهد التاريخية الأثرية التي تحكي تاريخ المنطقة، وتعتبر محافظة تيماء أبرز مدن منطقة تبوك المليئة بتلك المعالم الأثرية ولعل أهم تلك المعالم «بئر هداج» التي تعد أعجوبة أثرية تفخر بها منطقة تبوك، فهيا ـ أخي القارئ ـ لكي تقترب معي من هذه البئر وتعرف نزراً يسيراً عنها:
تعتبر بئر هداج من أهم آثار المملكة العربية السعودية، وهي من أهم المعالم الأثرية القديمة القائمة، وتقع في تيماء «القديمة» في منطقة عرفت باسمها محاطة بأشجار النخيل الباسقة وينسب الكرام لهذه البئر فيقال للرجل الكريم: «فلان هداج تيما» و«فلانة أكرم من هداج تيما».
تاريخ بناء البئر
يعتقد أن حفر هذه البئر وطي جدرانها يعود إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد أي حوالي القرن الخامس ق.م وذلك اعتماداً على مقارنة طريقة بنائها مع معالم أثرية معروفة تاريخياً داخل محافظة تيماء.
كيفية بنائها
بنيت البئر بحجارة مصقولة وبها طويت، ويتراوح عمق البئر من 11-12 متراً ويبلغ محيط فوهة البئر 65 متراً.
من بنى أو أمر ببناء البئر؟
المصادر التاريخية والجغرافية لا تفيدنا حول هذا الموضوع بشيء، لكن المصادر الأدبية أوجدت إجابة لهذا السؤال وذلك اعتماداً على بيت شعر من قصيدة نظمها السمؤال بن عاديا أحد أشهر أوفياء العرب قبل الإسلام وحاكم تيماء إذ يقول:
بنى لي عادياً حصناً حصيناً=وماء كلما شئت ارتويت
والحصن المذكور في هذا البيت الشعري هو الحصن المعروف في تيماء بحصن السموأل، والماء هو إشارة للبئر؟
سبب تسمية البئر بهداج
حاول الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري الربط بين ما يسمى بالإله (هدد) إله الماء عند الساميين القدماء وبين هداج كعين منتجة للماء لكن الأستاذ سليمان الدخيل رحمه الله.
يقول أن «هداج» وزن شداد اشتقاقاً من الهدج وهو على ما صرح به اللغويون مقاربة الخطو في السير والإسراع من غير إرادة وذلك إشارة إلى سرعة ماء هذه البئر على حد تعبير الدخيل رحمه الله.
أهمية البئر
يستمد بئر هداج أهميته من الدور الذي لعبه في حياة الأقدمين والمحدثين إذ جعلت البئر «تيماء» مدينة زراعية كثيرة النخل، كثيرة البساتين وذلك لسعته ووفرة وعذوبة مائه، ويعتمد بئر هداج في مائه على إنتاجية العين الموجودة في زاويته الجنوبية الغربية والتي مازالت تنضح بالماء حتى وقتنا الحاضر وتنقل المياه منه إلى المزارع بواسطة إحدى وثلاثين قناة تبدأ من حواف البئر وتتفرع إلى البساتين على مختلف مواقعها، كذلك كان البئر مقصد الكثير من أهل البادية المجاورة لتيماء إذ يرتادون البئر للسقيا لهم ولماشيتهم ولجمالهم.
الرحالة الأجانب وبئر هداج
من أشهر الرحالة الذين قدموا لتيماء وشاهدوا هذه البئر الرحالة الإنجليزي «فيلبي» الذي زار تيماء عام 1369هـ ـ 1950م والتقط للبئر صورة فوتوغرافية تعتبر أقدم صورة معروفة للبئر إذ بينت بحالته القديمة وعليه «السواني» وبعض الجمال لنزح الماء من جوف البئر.
كذلك أشار إليه الرحالة (هوبر) و(أوتنج) و(وينيت وريد) واعتبروا «هداج» الطابع المميز لمدينة تيماء وأعجوبة من أعاجيب العالم القديم!
أما في المؤلفات العربية فقد ورد ذكر البئر لدى العديد من الرحالة العرب القدماء كالمقدسي والإدريسي والمحميري ووصفوا البئر بأنه أشهر عيون العرب الغزيرة والعذبة.
بئر هداج على موعد مع الملك سعود رحمه الله
في العام 1373هـ زار جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ المنطقة الشمالية «تبوك» وشملت زيارته مدينة تيماء وخص جلالته بئر «هداج» بزيارة فرأى جلالته أن البئر تحتاج لعناية لكي يساعد الأهالي بمياهه فأمر جلالته بتركيب أربع مضخات لنزح المياه من جوف البئر لكي يروي الأهالي ومزروعاتهم فكان لذلك تأثير واضح في تطوير «تيماء» زراعياً.
ومواصلة للعناية بهذا البئر أولى صاحب السمو الملكي الأمير فهد ابن سلطان، أمير منطقة تبوك بئر هداج جل اهتمامه وعنايته وبناءً على توجيهات سموه الدائمة فقد تم ترميم البئر وتنظيفه عدة مرات ومازال «هداج» محل عناية سموه واهتمامه.
هداج في الشعر
لعل بئر هداج من أكثر الأبار التي ذكرها الشعراء وتغنوا بها وبنخيلها وبعذوبه وغزارة مياهها
وسنقتصر على أهم الاشعار
وممن ذكره السمؤال حاكم تيماء في القرن الخامس الميلادي
الذي يقول مفاخرا ببئر تيماء وحصنها
بنـى لـى عاديــا حصنــاً حصيناً=زمــــاء كلما شئـت استقيـت
كما ذكر البئر في العديد من الاشعار النبطية ولايتسع المجال هنا لذكرها إلا أننا نحاول ذكر بعضها
الامير عبدالعزيز بن سعود بن محمد ال سعود
هــداج ماغضه من الـورد ميــــــــاح=جـم الـورود الضامـية ما تغيضـه
ويقول الامير محمد الاحمد السديري
وعيـني لعل اللـه يعجـل فرجـــــها=يفوح ناظـرها كمـا عين هـــداج
وقول ناصر الزعيبي
هـداج تيمــاء ماتـواني سـوانـيــــه=ماينعـرف وردة مـن الصــادريـن
ويقول الاسمر بن خلف الجويعان
العـد يروي كـل صــــــــــادر ووارد=هداج تيمــاء وازرق الجـم مـاكم