لاشك في أن الإنسان العربي من أكثر خلق الله كرما، وإن صار الكرم يقتصر على تقديم الطعام للضيف بكميات تجارية، لا تخلو من نزعات استعراضية، فلا أعتقد أنه من الكرم في شيء أن تدعو شخصا واحدا إلى طعام ثم تضع أمامه أكلا يكفي كتيبة من المظليين (هم أكثر العسكريين إحساسا بالجوع في تقديري لأن مصارينهم تتعرض للتقلصات أثناء تدريبات الهبوط بالبراشوت)،.. نعم العربي كريم وعلى استعداد لإطعام أي شخص يطلب منه طعاما (ولكنه قد لا يكون مستعدا لشراء دواء بنصف قيمة ذلك الطعام لشخص يعاني من المرض)، ولكن الخصلة التي بدأت في الاندثار هي "الوفاء"، الوفاء تجاه أفراد الأسرة والأصدقاء ومن يصنعون فينا المعروف، فارتفاع معدلات الطلاق دليل على أن جينات الوفاء عندنا صارت ضعيفة، وقد تقرض شخصا مالا لأنه جاءك محتاجا،.. وتصبح أنت محتاجا فتطلب منه سداد الدين فيماطلك وقد يصل الأمر إلى درجة أن يسبك ويشتمك: "الله يلعن أبو الزمن اللي خلى واحد مثلي يستلف فلوس من واحد خسيس مثلك!!" كثيرون منا سمعوا مثل هذه العبارات النابية من أشخاص وقفنا معهم في محن مالية واجهوها!! والمدير الذي ينهي خدمات موظف عمل معه عشر سنوات بسبب هفوة بسيطة، عرَّضت المدير للمساءلة أيضا عديم الوفاء بل وجبان!! فالمدير أو رئيس العمل الوفي هو من يدافع عن موظفيه عندما يخطئون أخطاء بسيطة، ويقول بشجاعة: أنا أتحمل مسؤولية تقصيرهم!! ولعلنا نذكر حكاية ذلك العربي الذي أصيب بفشل كلوي وتبرعت له زوجته بكلية واسترد صحته وعافيته، و... شبابه، فكافأ زوجته بأن تزوج عليها فكان أن رفعت دعوى قضائية تطالبه فيها برد كليتها التي جعلته فحلا قادرا على الزواج، ونشرت الصحف مؤخرا حكاية راعي الأغنام الذي فقد بصره وهو في سن الخمسين، فأصبح قعيد البيت وسهرت زوجته على راحته وتولت أعباء إعاشته، وبعد أن بلغ السبعين أجريت له عملية جراحية استرد بعدها بصره وكان أول ما لفت نظره أن زوجته الوفية تلك عجوز شكلها "يسد النفس" فكان أن قرر الزواج بأخرى تستأهل نظرات عينيه!! وهناك أشخاص تساعدهم في الحصول على وظائف، وتفاوض نيابة عنهم حتى يحصلوا على شروط خدمة متميزة، وبعد أن "تسلك" أمورهم تكتشف أن أحدهم كتب شكوى يقول فيها إنه أولى منك بالترقية أو العلاوة التي نلتها!
وينتحر الوفاء يوميا بأفعال شباب أنانيين، ينسون آباءهم وأمهاتهم بمجرد حصولهم على وظائف، رغم أنهم يعرفون مدى حاجة أولئك الآباء والأمهات إلى العون المادي، وحتى لو لم تكن بهم حاجة، فإن مجرد دخول الولد أو البنت على والديه حاملا هدية رمزية، يفجر ينابيع المودة والتراحم في القلوب!! لقد أصبح الوفاء سلعة نادرة لأن معظمنا صار يحبذ أن يأخذ دون أن يعطي!! تُعلم الولد وتساعده على الحصول على وظيفة ويكون همه منذ تقاضيه أول راتب أن يرتاد الأماكن الفخيمة مرتديا ملابس فخيمة، ومطليا بتشكيلة من المساحيق والكريمات، ويصاحب من يحسبهم من ذوي "الفخامة"،.. بل و"يستعر" من بيت أهله "التعبان" فلا يدعو أصدقاءه إلا إلى الفنادق والمطاعم الراقية.. وراتب البنت قد يضيع كله في منتجات شانيل واستي لودر للتجميل.. ولا تعرف البنات أن معشر الرجال يعرف أن البنت المطلية بالمساحيق، من بره هلا هلا ومن جوه يا للهول!