شكرا يا فرنسا
عائض القرني
عدتُ إلى الرياض أنا والدكاترة البريكوالمقحم والرومي والحارثي بعد أن أمضينا ثلاثة أشهر في باريس ومنها إلى مدن أوربيّة،وقد وجّه الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز حفيد مؤسس دولة التوحيد بإقامةمحاضرات وندوات ودروس وخطب جمعة في باريس وضواحيها وغيرها من المدن، فألقينا معبقية الدعاة ما يقارب سبعين ندوة أو خطبة أو درسا أو محاضرة،
وقد دعم الأمير عبد العزيز جزاهالله خيراً المراكز الإسلامية والمساجد بالعلم والمال، ولكن الذي لفت نظري فيفرنسا أننا كنّا نشعر المركز الإسلامي أو المسجد قبل المحاضرة بيوم واحد فقط فيتمالإعلان والحضور والترتيب بلا أية عقبة أو مشكلة، ووالله الذي لا إله إلا هو لقدألقينا دروسنا وخطبنا في آلاف المسلمين هناك، وبعض الدروس يصل الحضور فيها إلىخمسة آلاف رجالاً ونساءً وما سُئلنا عن كلمة ولا أُوقفنا عند إشارة وما نوقشنا عنأي جملة، بل وجدنا كافة التسهيل من الفرنسيين إلى درجة تنظيم بعض المحاضرات وتسهيلالوصول إلى المساجد،
بل ويعلم اللهلقد قام التاجر الفرنسي (داسو) صاحب شركة داسو للطيران ببناء وتوسعة المسجدوإمداده بما يلزم من سكن ومواقف سيارات لحسن تعامل المسلمين معه، مما جعلنا نشكرهعلناً ونقدم له هدية باسم المسلمين، وقد أعلن هو في الجموع أنه يحترم الإسلامالدِّين العالمي العظيم، وفي جامع (لدرنس) بباريس قام تاجر فرنسي آخر بالتبرعبالأرض ومبلغ ثلاثة ملايين يورو لبناء المركز الإسلامي هناك؛ لأن الجاليةالإسلامية صوّتت له في الانتخابات،
وفي مدة ثلاثةأشهر وهي مدة إقامتنا في باريس مع مراجعتي لأطباء الركب تحوّلت باريس وضواحيها إلىجو دعوي إيماني وعلمي مرشّد، وكان الأمير عبد العزيز بن فهد يشرف وينسّق ويتصلبالسلطات الفرنسية، ونحن الدعاة نتعجب من سهولةالإجراءات الفرنسيّة وتيسير هذا النشاط الدعوي الذي لا يمكن أن يحصل في أي مدينةعربية أو إسلامية، أما الحضور فهم دكاترة وأساتذة ومهندسون وأطباءوعمال من كل بلاد الإسلام وغالبهم من المغرب العربي وبهم من الشوق لسماع قال اللهوقال رسوله (ص) مع الحب الكبير لدينهم العظيم ونبيهم الكريم، وغالب ما طرحناه فيالمحاضرات والدروس (العقيدة الصحيحة، والصلاة، وحسن تعامل المسلم، مع الناس،وتجميل صورة الإسلام، وسيرة نبي الرحمة (ص)، مع أعمال القلوب والفضائل، والأخلاق)،وغالب المحاضرات كان يقف الناس من كثرتهم في السكك، وفي مدريد كنّا في ضيافةالأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز سفير السعودية وعميد السلك الدبلوماسي العربيوالإسلامي؛ حيث أٌقيمت خطبة الجمعة وندوة عامة حضرها الألوف في تنظيم بديع بإشرافالدكتور إبراهيم الزيد، وفي بروكسل نُسِّقت ندوة لي وللبريك والحارثي فامتلأتالأدوار الثلاثة وحضر الناس كأنهم في صلاة العيد، وكان الحديث عن سيد الخلق (ص)فما كان إلا البكاء والدموع الصادقة، وأشرف على ذلك الدكتور عبد العزيز اليحيى وصارت عندنا قناعة أن الدعوة بالحكمة واللين والرفق أعظممليون مرة من التّشنج والفظاظة والغلظة، فضلا عن الأسلوب الأهوج الكريه المشوّهالذي قدّم الإسلام عبر فوّهات البنادق والديناميت والحزام الناسف، وأصبحت لديناقناعة أخرى أن العالم مستعد للاستماع إلينا واحترامنا إذا خاطبناه بالمنطق والحواروالبرهان عبر تواصل حضاري تحت مظلة التعايش السلمي واحترام إنسانية الإنسان بدلالةقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائللتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
إن فرنسا هذهالتي تركتنا ثلاثة أشهر نحاضر كل ليلة في عاصمتها باريس ونخطب كل جمعة وترتفعأصواتنا عبر مكبرات الصوت لتشق الأثير بكلمة الإسلام الخالدة (لا إله إلا اللهمحمد رسول الله) ثم لا يسألنا فرنسي واحد ولا نحاسب على كلمة ولا نُسأل لماذا جئناولا نُوقف عند بوابة، بل نجد منهم الدعم والتشجيع، بل يقوم تجّارهم ببناء المدارسالإسلامية والمساجد، هذه فرنسا التي تزاحم أمريكا بالمنكب في القوة والهيمنة، تدرك أن الحضارة تقوم على حرية الكلمة في حدود المنطق والعقلواحترام مشاعر الآخر وإكرام الوافد والسماح للرأي الآخر، وأعظم من هذه الحضارة وهذه الثقافة حضارة الإسلام وثقافة الإسلاموعالمية الإسلام، وكنّا نشكر الفرنسيين ونذكرهم بشهادة الحق التي قالها مؤرخهمالكبير (جوستاف لوبون) حيث يقول: ما عرف العالم فاتحاً أعدل ولا أرحم من محمد (صلى الله عليه وسلم ).إنني أناشد الدول العربية والإسلامية أن تستفيد من الحكومة الفرنسية في تسهيلإجراءات الدعوة إلى الله والوصول إلى الناس بالعلم النافع والمنهج الرشيد.