الأعضاء الكرام وكل من تشرف بالمرور والقراءة كل عام وأنتم بخير والعشر مباركة على الجميع هاهي أيام رمضان تسارع مؤذنة بالإنصراف والرحيل وهاهي أيام العشر تحل لتكون الفرصة الأخيرة لمن فرط في أول الشهر أو لتكون التاج الخاتم لمن أصلح ووفي فيما مضى إخوة الإيمان العشر الأخيرة من شهر رمضان سوق عظيم يتنافس فيه العاكفون وموسم يضيق فيه المفرطون وامتحان تبتلى فيها الهمم ويتميز أهل الآخرة من أهل الدنيا طالما تحدث الخطباء وأطنب الوعاظ وأفاض الناصحون بذكر فضائل هذه الليالي ويستجيب لهذا النداء الحاني والموعظة المشفقة قلوب خالط الإيمان بشاشتها وآذان أصغت للمنادي واستقر في روعهما انه لا يريد إلا الخير ليس إلا فسلكت هذه الفئة المستجيبة طريق المؤمنين وانضمت إلى قافلة الركع الساجدين واختلطت دموع أصحابها بدعائهم في جنح الظلام وربك يسمع ويجيب ويجزي العاملين المخلصين وما ربك بظلام للعبيد.
أما الفئة الأخرى فتسمع النداء وكأنه لا يعنيها وتسمع المؤمنين يتضرعون لخالقهم وكأنه ليس لهم حاجة إلا ملء البطون والتفكير في الفروج وياليت شعري والمأساة أعظم أن هؤلاء نائمون قائمون فهم في عداد النائمين إذ لم يشهدوا مع المسلمين صلواتهم ودعاءهم وهم في عداد القائمين المضيعين لأوقاتهم والمزحين لفراهم بالقيل والقال والسهر الذي لاطائل من ورائه ولا نفع يرجى من خلاله إلا من رحم الله.
فهل يعيد المفرطون الحساب مع أنفسهم ومع خالقهم ونحن بعد في مستهل هذه العشرة التي ضمنها الله تعالى ليلة : العبادة فيها خير من العبادة في ما يزيد على ثلاثة وثمانين عاما وربك تعالى يقول : ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)) (القدر:3) .
وكم هي نعمة أن يتخفف المرء في هذا الشهر من الذنوب والأوزار التي لو كان لها جرم لما أطاق الإنسان حملها لثقلها ولو كان للذنوب رائحة لزكمت الأنوف لشدة نتنها ((ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) .
هكذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم والذي يحتسبون على الله قيام ليالي العشر لابد وأن يدركوا هذه الليلة فهي في العشر الأواخر وهي في الأوتار أحرى وأوكد.
وفي الليل سواء كان في رمضان أو غيره ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً من أمور الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ولكم هو وقت النزول الإلهي ومنه الثلث الأخير من الليل يقول المولى جل جلاله في هذه الساعة : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟
فأين أنت يا عبد الله عن هذا المورد العظيم وإذا غلبتك نفسك في سائر العام أفلا تغلبها على الأقل في هذه الليالي والأيام .
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ودمتم برعاية رب العزة والجلال