إن البرق والرعد آيتان كونيتان دالتان على بديع صنع البارئ – سبحانه-، وعظيم قدرته وتدبيره ، ويجوز أن البرق والرعد بشير خير أو نذير شر وعقوبة وتخويف
قال الله – تعالى - : " هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً " قال بعض المفسرين : أي تخافونه لما يترتب عليه أحياناً من نزول الصواعق ، وحرق المحاصيل ، وحدوث الغرق ، ونحوه .
أو تطمعون بما قد يترتب عليه من نزول الأمطار ونبات الزروع ، وخروج الثمار ، وعموم البركة .
وكان رسول الله (ص) إذا سمع الرعد والصواعق قال : اللهم !.. لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك .
ويقول : سبحان الذي يُسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته
وعلى كل حال فإن نبينا – عليه السلام – كما صح عنه في البخاري ومسلم من حديث عائشة –رضي الله عنها-
قالت: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح
قال:" اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به"
قالت: وإذا تخيلت السماء ، تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرِي عنه ، فعرفت ذلك في وجهه
قالت عائشة –رضي الله عنها-: فسألته ، فقال:" لعله يا عائشة كما قال قوم عاد:" فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا"
فالواجب الحذر من أسباب غضب الله بهجرة الذنوب والمعاصي تجنباً لنقمة الله وانتقامه ، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يتغير حاله ويتلون وجهه حين رؤية الغيوم في زمنه المبارك وبلده الطاهر، فكيف بنا في هذه الأزمان العجيبة وهذه الأحوال المريبة ؟! والله المستعان .
البرق :
هو تفريغ كهربائي من سحابة إلى أخرى أو بين أجزاء سحابة واحدة أو من سحابة من السحب إلى الأرض ويتميز هذا التفريغ بومض ساطع يعرف بومض البرق ، وومض البرق لا يعدو أن يكون شرارة كهربائية كبيرة .
وطول البرق يختلف فهو أقل من 90 متراً في المناطق الجبلية إذا كانت السحب منخفضة، وقد يصل إلى 6000 متر في الخلاء إذا كانت السحب عالية . وقد سجل برق طوله كيلومتراً . وسرعة البرق بين 60 و1600 كيلومتر في الثانية ، وهي تقريباً نصف سرعة الضوء .
وهذا البرق لا ينشأ عنها أي ضرر إلا إذا انتقلت من إحدى السحب إلى الأرض ، إذ يتولد عن هذا الانتقال صواعق قد تسقط على المنازل والغابات ، وقد تصيب الناس فتوردهم موارد الهلاك.
ومن أجل ذلك يزود الناس بيوتهم بمانعات الصواعق وما إليها. ومانعة الصواعق كناية عن شاخص من النحاس طرفه العلوي مدبب أو مسنن يثبت في أعالي المباني ويتصل من أدنى بسلك معدني غليظ ينتهي بلوح من المعدن مدفون في باطن الأرض الرطب بحيث يشكل مجازا طليقا تسري خلاله الطاقة الكهربائية إلى باطن الأرض أولا بأول.
الرعد:
هوتفريغ كهربائي من سحابة إلى أخرى أو من سحابة إلى الأرض يصحبه انبعاث شرارات تعرف بالبرق. وهذه الشرارات تحدث حرارة عالية في مناطق الهواء التي تنبعث منها ، فتتمدد تلك المناطق على نحو فجائي وتولد سلسلة من أمواج التضاغط والتخلخل يسمع لها جلجلة وهدير.
الصاعقة الرعدية :هي عاصفة قصيرة الأجل ، مصحوبة ببرق ورعد. يحدثها عادة السحاب المعروف بالركام أو المكفهر (وهو سحاب مرتفع مؤلف من ماء وجليد ، يتخذ شكل الجبال أو الأبراج).
وينشأ عن العواصف الرعدية عادة أمطار غزيرة ، وأحيانا برد أيضا ، وهي مألوفة في المناطق الاستوائية بخاصة.
أسرار خلق الرعد والبرق:
تعتبرُ الآية الاولى (ومِنْ آياتِهِ يُريْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمـاءِ ماءً فَيُحْيي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهـا اِنَّ في ذلِكَ لآيات لِقُوم يَعْقَلُون) . أنّ برقَ السماء من آيات الله الدالة على قدرته ووحدانيته أنه يريكم البرق خوفاً من الصواعق ، وطمعاً في الغيث والمطر ، فهو ينزل المطر من السماء فينبت به الأرض بعد أن كانت هامدة جامدة لا نبات فيها ولا زرع
وورد هذا المعنى في الآية الثانية (هُوَ الَّذي يُريْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السَّحابَ الثِّقـال) بتعبير آخر تعريفاً بالذات الالهية المقدّسة عن طريق آثاره .
فيقول تعالى: (هُوَ الَّذي يُرِيَكُمْ البَرْقَ خَوْفاً وطَمَعاً).الخوفُ من الصواعق والتفاؤل بنزول المطر، أو خوف المسافرين، وتفاؤل المقيمين في المدن والارياف .
واللطيف انه يقول بعد ذلك مباشرة: (ويُنْشِىءُ السَّحـابَ الثِّقـال).
وقيل في بيان هذه الجملة (تتزامن مع العواصف القويّة زوابع من الغيوم ، فتغطي اعالي الجو القرب من الارض ،فيصبح الجو مظلماً ، وتتولدالكهرباء نتيجة تلاطم الرياح ، وتهتز الارض والجو بسبب صوت الرعد المتتابع .
واخيراً فانَّ الغيوم المتراكمة في طبقات الجو السفلى سميكة ومحملة بكثير من قطرات المياه الكبيرة لذلك تكون ثقيلة للغاية على الرياح المحركة .
ويشير في الآية الثالثة (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والْمَلائِكَةُ مِنْ خَيْفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيْبُ بِهـا مَنْ يَشـاء) الى ظاهرة «الرعد»
فيقول: (ويُسَبِّحُ الرَعْدُ بِحَمْدِهِ) . ويُبَيِّنُ هذا التعبير انَّ هذه الظاهرة السماوية ليست مسألة عاديةً ، بل تُنبىءُ عن علم وقدرة الله تعالى .
لأنَّ (التسبيح) يَعني التنزيه عن كل عيب ونقص ، و (الحمد) تعني شكره مقابل الكمالات ، وعليه فانَّ صوت الرعد يتحدث عن الاوصاف الجمالية والجلالية لله تعالى .
يقول الفخر الرازي في تفسيره:«فلا يبعد من الله تعالى ان يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في اجزاء السحاب فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له.فاذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود((عليه السلام)) ولا تسبيح الحصى في زمان محمد((صلى الله عليه وآله وسلم))» .
فليكن أي الاحتمالين، فليس هنالك اختلافٌ في بحثنا، وعلى كل حال انَّ هناك اسراراً خفيّةً في هذه الظاهرة السماوية حيث تكشفُ عن عظمةَ الخالقِ وآيةً من آياته.
والمعروف انَّ الماء والبخار، والغيوم موجوداتٌ لا تتوافق مع النار، ولكن بقدرة الخالق تنطلقُ منها نارٌ هائلة اكثر احراقاً من انواع النيران على الارض كافة، وكذلك البخار ، الجسم اللطيف جدا ، ولكن ينطلقُ منه صوتٌ لا ينطلقُ من سقوط .
الرعد والبرق في نظر العلم المعاصر:
يعتقد العلماء المعاصرون أنَّ بريق السماء يحدث من خلال تقارب قطعتين من الغيوم المحملة بالشحنات الكهربائية المختلفة واحدة موجبة والاخرى سالبة ، فتُحدِثان بريقاً كما يحصل من اقتراب قُطبَيْ الموصل الكهربائي تماماً.
وحيث تتحمَّل قطع الغيوم بالشحنات الكهربائية العظيمة يكون بريقها عظيماً ايضاً ، ونحن نعلمُ انَّ لكلِّ بريق صوتاً ، وكلّما اشتد البرقُ كلما تعاظم صوته .
ولهذا قد يكون الصوت المهيب لهذا البرق من الشدّةِ بحيث يهزُّ جميع المباني ويُحدثُ صوتاً كالقنابل الضخمة.
ولكن البرق لا يظهر بين قطعتي الغيوم دائماً لتكون بعيدة عن متناول الانسان ولا تُسبب أيَّ خطر، بل قد تقترب الغيوم الحاوية على الشحنات الموجبة من الارض .
وبما انَّ الارض تحتوي على الشحنات السالبة لذلك يحدث البرق بين «الارض» و «الغيوم»، وهذا البرق العظيم الذي يسمى بالصاعقة خطيرٌ للغاية ، فهو يُحدثُ هزَّةً شديدةَ في المنطقة التي يقع فيها ، وكذلك يولد حرارة عالية جداً بحيث إذا أصابت أيَّ شيء تجعلُهُ رماداً .
مع انَّ مدة الصاعقة لا تتجاوز عُشرَ الثانية وقد تكون 100-1 من الثانية، ولكن الحرارة التي تنتج تصل الى 15000ْ سانتيغراد بامكانها التسبب في حدوث أخطار بالغة الشدّة (حرارة سطح الشمس 8000ْ فقط )
ونظراً لتجمع الشحنات على الاجزاء المدببة للاجسام ففي الصحاري التي تحدث فيها الصواعق، يظهر البرق في النقاط المرتفعة كرؤوس الاشجار، وحتى رأس الانسان المار عبرها .
لذلك يعتبر التوقف في الصحاري أثناء الجو العاصف المليء بالرعد والبرق خطيراً للغاية ، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن يزيل اللجوء إلى الوديان أو الاقتراب من الأشجار وأسفل الجبال والتلال الخطر إلى حد ما (ان الإتكاء على الأشجار والشبابيك الحديدية لا يخلو من خطورة ايضاً).
فوائدالرعد والبرق :
بالرغم من أخطار الرعد والبرق التي اُشير اليها سابقاً فانَ لها فوائد جمّةً ايضاً، حيث سنشير الى بعضها هنا:
أ ـ الري :
من المعروف أن البرق يولِّدُ حرارة عاليةً جداً ، قد تبلغ15 ألف درجة سانتيغراد، وهذه الحرارة كافية لاحراق مقدار كبير من الهواء المحيط مما يؤدي الى هبوط الضغط الجوي مباشرة
ونحن نعلمُ انَّ الغيومَ تُمطرُ أثناء هبوط الضغط ، ولهذا فغالباً ما تبدأ الزوابع عقبَ حدوث البرق وتنزل قطرات الامطار الكبيرة ، وفي الواقع يعتبر الري من هذا الجانب أحد فوائد البرق .
ب ـ رش السموم :
عندما يظهر البرق بتلك الحرارة، تتألف قطرات المطر بكميات إضافية من الاوكسجين، فيحصل الماء الثقيل أي الماء المؤكسد (52,h)
ونحن نعلم أن من آثار هذا الماء هو القضاء على الجراثيم ، ولهذا يستعمل طبياً في تنظيف الجروح ، فهذه القطرات تقضي على بيوض الآفات المسببة لامراض النباتات عندما تنزل الى الارض ، وتقوم برش السموم على احسن وجه
لذلك فقد قالوا: في كل سنة يقل فيها الرعد والبرق تزداد الآفات النباتية.
ج: التغذية والتسميد :
إن قطرات المطر وأثر حدوث البرق وحصول الحرارة الشديدة الناتجة عنه وتركيبها الخاص ، تحصل على حالة من حامض الكاربونيك ،فتقوم بتكوين سماد نباتي مؤثر أثناء تناثرها على الارض وتخللها فيها ،فتتغذى النباتات عن هذا الطريق .
ويقول بعض العلماء: إنَّ كمية السماد الحاصل من حالات البرق في السماء خلال سنة واحدة يبلغ عشرات الملايين من الاطنان ، وهذا رقم مرتفعٌ للغاية .
بناء على ذلك نرى انَّ هذه الظاهرة الطبيعية العادية وغير المهمة الى أي حد مفيدة ومليئة بالبركة؟ فهي تسقي ، وترش السموم ايضاً ، وتقوم بالتغذية .
وهذا نموذج صغير من الأسرار العجيبة لعالَم الوجود حيث يصلح أنْ يكون دليلا في الطريق لمعرفة الله.كل هذا من بركات الله على علينا.
ولكن الحرائق التي تنتج عن نوع منه وهي الصواعق من جانب آخر قد تحرق الانسان أو البشر والمزارع والاشجار، بالرغم من أنَ هذا الأمر قليلٌ ونادر الوقوع ويُمكن اجتنابه ، إلا أنه بامكانه أن يصبح عامل خوف وهلع .
وعليه فإن ما قرأناه في الآية السالفة بأن البرق أساس للخوف وأساس للأمل ايضاً قد يكون إشارة الى مجمل هذه الاُمور.
ومن الممكن أن تكون عبارة ( وَيُنْشِىءُ السَّحـابَ الثِّقال) الواردة في نهاية الآية أعلاه لها ارتباط بميزة البرق هذه التي تؤدي الى تحمُّلِ الغيوم بقطرات الامطار.
أسأل الله أن يعم الخير على بلادنا خاصة وسائر بلاد المسلمين عامة ودمتم جميعاً برعاية رب العزة والجلال