بسم الله الرحمن الرحيم
أسطورة البطل ( راعي البندق ) علي بن رشيد الخياط رحمه الله :
اخواني الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة وبعد أنقل لكم . نبذة عن البطل الأسطورة ( راعي البندق ) علي بن رشيد الخياط فهذا الرجل شارك رجال عنيزة في العديد من الأنتصارات التي رفعت شان عنيزة وجعلت لها هيبة عظيمة أمام كل من حاول الدخول لها . بطل لا تمل من قراءة سيرته وضع له بصمة عظيمة على صفحات التاريخ هو بطل من الابطال المغمورين . في نظري والمشهورين في نظر اهل عنيزة الفيحاء وفي هذه السطور . ستعرف علي الخياط عن قرب و لتتعجب كيف تجمعت الوطنيه في شخص وكيف تشكل الوفاء بهيئه انسان .
شخصية الخياط :
فإنها تتمثـل بغيرته على مدينته عنيزة والوفاء لها حيث قدم لها شعره وروحه وماله فهو مقاتل بطل وشاعر وطني مُعبرٌ مؤثرٌ حلَّـق باسمه وباسم عنيزة بشكل ليس له نظير حيث جرت قصائده واسم بلدته وأهلها تبعاً لها على كل لسان في أنحاء الجزيرة العربية بل وتعدتها إلى بلاد الشام والعراق حاضرة وبادية فما أن يسألك أحد من أهل حواضر وبوادي نجد والشام والعراق من أين أنت ؟ فتقول : من عنيزة إلا ويبادرك في الغالب : ( أووه . هذي عنيزة ما نبيعه بالزهيد ) .
أما الصفة الأخرى التي اتصف بها بتفوق فهي :
توظيف جزءٍ من ثروته للدفاع عن عنيزة في حياته وبعد مماته ويتمثل ذلك بوقفيته لكمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة المتنوعة والمشتملة على عدد من بنادق الفتيل والذخيرة والسيوف والدروع تكفي لتسليح أربعين محارباً أو سبعين حسب أقوالٍ أخرى وقفاً شرعياً منجزا على بلده عنيزة لا يجـوز التصرف فيها لـغير ما أوقـفه عليه , وهذا أمر لم يسبقه أحد إليه لافي عنيزة ولا في غيرها في بلاد نجد , وقفٌ نوعي لم يوفق أحد إليه من قبله ولا من بعده من كبار الأُسر ووجهاء الأفراد في بلدته ممن لهم حظ من عنيزة أكبر من حظه ومصالحهم فيها أكبر من مصلحته مع الاستثناء وإن قل . وقد ظل هذا الوقف على حالته مخـزوناً في ( حجرة ) الخياط , حتى عام 1374 هـ ولانتفاء الاستفادة منه فقد استأذن علي بن عبدالرحمن بن علي بن رشيد الخياط حفيد المُوقِف الذي آلت إليه الوكالة بعد وفاة عمه حمد بن علي الخياط الوكيل الشرعي الأول لصاحب الوقف , قاضي عنيزة حينذاك ببيعه وصرفه فيما يناسب زمنه فأذن له , وتم الحراج عليه بسوق الهفوف لعدة أيام وقد أقبل هـواة الصيد على شراء بنادق الفتيل وقاموا بتـحويـلها إلى بنادق ( المقـمع ) أما السيوف والدروع فقد تناقلها هواة الأثريات في أماكن مختلفة . وإضافة إلى ماسبق ذكره فإن للخياط يداً في أعمال الخير ومن أبرز أعماله بناء مسجد الملاح القائم حالياً بأكمله على حسابه الخاص , وأوقف عليه أوقافاً معينه كما أوقف بعض أبنائه أوقافاً عليه طلبا ًللأجر وبراً بوقف والدهم , والخياط رجل قد أنعم الله عليه فهو صاحب تجارة ويملك عدداً من الأملاك خاصةً الزراعية في داخل البلد وخارجها في الوادي ومن أملاكه تلك : مايعرف بحائط الخياط بعنيزة , وقسم من أم مسيند بعنيزة , وأم الرِّيش بوادي الجناح , والرفَيْعِي بواد الجناح , والحمْداني بوادي الجناح , والنزيِّة بوادي الجناح , وهي في موضع معركة المطر سنة 1279هـ والتي قطع الامير محمد بن فيصل نخيلها ثم أعاد غرسه ابنه حمد بعد عدة سنوات وهي التي عناها الخياط وماقطع معها مما جاورها في قوله :
ياعين ياللي حاربت للنوم
من يوم حل القطع بالوديان
والطْريْف بوادي أبوعلي , والثبيرة بوادي أبوعلي , و العداين بوادي أبوعلي , والضْوير , والغابة , والصفَـاف . ولعل مما يدعو للأسف أن هذا البطل الذي قدم لبلدته عنيزة ماقدم من كرم وبطولة ارتحل منها عاتبا ومات ودفن في أرض غير أرضها دون أن تحدثُه نفسه بنقل أي شئ من أملاكه وثروته إلى بريدة التي مات ودفن فيها , وإنما ترك كل هذه الأملاك مكتفيا برعاية أبنائه لها الذين لم ينتقل أحد منهم بأمرٍ منه وفي هذا تعبير واضح أن عتبه مقصور على أمير البلدة وليس على البلدة نفسها أي أنه ظل يحتضنها بقلبه وضميره حتى فارق الحياة في أول عام 1294هـ تقريباً وحسبما تشير إليه بعض أوراقه , وكانت مغادرته عنيزة مابين 1287, 1289هـ تقريباً ومما يؤيد ذالك عدم ورود أي دور له في يوم سبلا و الجهام سنة 1289هـ لا من حيث المشاركة الميدانية أو ذكر تلك الحادثه بشيء من شعره . وسبب مغادرة الخياط بلده انه (ضرب) أحد رجال الأمير فلما أخبر الأمير بما فعل الخياط بالسوق عاتب الأمير الخياط بغضب ويبدو أن هذا جرى في مجلس الأمير أي بوجود أناس آخرين . وبما أن الخياط لا يمكن أن يمد يده على أحد رجال الأمير إلا لسبب وجيه وباعتقاده أن الأمير يقدر للخياط مكانته ومواقفه المشهودة في سبيل عنيزة , وقد رأى أن الأمير أصابه بإهانة لايمكن احتمالها وعالج ذلك بأن أنف عن الإقامة بها , وقرب ركائبه وغادر إلى بريدة , والمستفيض أنه بعد مرور أسبوعين أو أكثر من بقاء الخياط في بريدة رأى عدد كبير من وجهاء عنيزة أنه لايمكن التفريط برجل هذه مكانته وفضله على بلده فطلبوا من الأمير ان يذهبوا إليه ويأخذوا بخاطره ويحاولوا إقناعه بالعودة فأذن الأمير لهم وذهب بعض منهم برئاسة الوجيه يحي بن عبدالرحمن الذكير , و أقنعوه بالرجوع فقدر مسعاهم وعاد بالفعل , ولكنه عندما ذهب إلى الأمير للسلام عليه بإلحاح من نفس الوفد الذي أقنعه بالعوده واجهه الأمير بقوله : لنا أيام يابو رشيد ما شفناك فنهض الخياط غاضباً وقال : ياالامير أنت تعرف إني ماجئت إلاتكريماً لمن حضروا إلي وهاهم أمامك أما أنا فخاطري طايب منك ومن ديرتك ساعة غادرتها بإرادتي . وأنت بهذا تهين الرجال الذين أقنعوني بالمجئ ولست تهينني أنا , وهم أمامك في مجلسك يسمعون . ثم التفت إليهم وقال : اعذروني فقد وفيتكم حقكم . وأدار ظهره وخرج مسرعاً وأحضر ركائبه مرة أخرى ووضع عليها متاعه وغادر بشكل نهائي وهو يتمثـل ببيتي سعد بن حمود الضويان من ( اهل الشّْعَـرَاء ) عندما غادر بلدته بسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه ( المسعود ) أمرائها , فقال وهو جالس على جبل ثهلان ينظر إلى سمرتها بعد العصر وذلك سنة 1250هـ :
يادار لوا لزمل تقوى تشــيلك
لشد بك عن ديرة جزت منها
القض بالفاروع مايستوي لك
و البيـع مـا كل يعـادل ثـمنهـا
أما بقية القصيدة التي يتناقلها أهل عنيزة فإنها إما تتمة منه , أو أنها ألحقت بها فيما بعد من قبل من لايتفقون وسياسة الأمير وهو ما أرجحه وخاصة منها البيت القائل :
مادام ........ فيك مانرعوي لك
وان راح جينا واحتملنا امحنها
وذلك لأن الخياط رجل كبير المقام لايصدر عنه مثل هذا التعبير , ولأنه يعلم أن إمارة آل سليم لاتنتهي بموت رجل , لانه أمارة توارث أسري , وليس أميراً مقطوعاً وسيلقى في الغالب ممن يأتي بعده ما لقيه منه خاصة وأنه كشف عما في دخيلته شعرا تجاه الامير هذا لو صح أنه قائله . وهذان البيتان نسبهما كذلك الأستاذ النقيدان رحمه الله مؤلف ( شعراء بريدة ) إلى الأمير محمد بن علي العرفج أمير بريدة وقد يكون محمد بن علي العرفج تمثـل بهما أيضاً كما تمثـل بهما الخياط . وكان سبب تصرف الأمير هذا لأنه فيما يبدو كان متأثراً سلباً من الخياط الذي لم يحضر للسلام عليه بعد عودته مباشرة حيث قيل أنه جلس في بيته اليوم الأول من وصوله لاستقبال الناس الذين قدموا للسلام عليه ولم يذهب لمجلس الأمير إلا في اليوم الثاني . وثهلان ويسمى الآن ( ذهلان ) جبل أسود غرب ( الشًّعراء ) ويعتبر من أكبر أعلام عالية نجد حيث يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب سبعين كيلومتر تقريباً .
والله مـادَوَّرْت دارٍ بـديــلــــك
كلا لما شفت الجفا من سِكَـنْها
اومادام زامل فيك مانـرعـوي لك
ون راح جينا واحتملنا مْحَنها
دونك اودون البيض اولجة نخيلك
اللـي بها الـورقا ايفجع لحنـهـا
نروَي السلايل دون منهو يجي لك
اوصولاتنا مشهورةَ الفعل عنها
تيهي ابوقتك واسحبي به شـليـلك
اوباهي ابمجدول تعدى اعكنها
وتـعـيـنـي لا فـعـال شِبَّان جيـلـك
تشهدعليها اسهالها مع رعَنْها
ولاغـشـاك اللـيل يـحـيـون لـيـلـك
بـسـوالـف هذا لـهـذا تـِكـنْـهـا
اومن عقّ بك يادار وانكر جميـلـك
لاِخْماسِيٍ درْجَه يسابق دخنها
إذاً هذي هي التتمة التي أضافها الخياط أو التي قيلت نيابة عنه , لأن قدرة الخياط الشعرية ومصداقيته لا تجعله يقول : ( كلا لما شفت الجفا من سكنها ) لأنه يعلم أنه رأى الجفاء من أميرها فقط بل إن الرجال الذين يمثـلون سكانها ذهبوا إليه ودعوه للعودة بأنفسهم فواجه الجفاء مرة أخرى من الأمير نفسه لا ممن سكنها , والأمير مشهود له بالتواضع و الحكمة ولكن لكل إنسان وضع استثنائي وهذه القصيدة المشهورة للشاعر علي بن رشيد الخياط المتوفى سنة 1294هجرية وهي من عيون الشعر النبطي ومن روائع القصائد الحربية وشعر العرضة وقد اشتهرت هذه القصيدة شهرة كبيرة وذاع صيتها في انحاء الجزيرة العربية وخارجها واصبحت ابياتها امثالا سائرة يتداولها الناس ولاتكاد تجد شخصا مهتما بالشعر النبطي الا ويعرف هذه القصيدة او يحفظها او يحفظ ابياتا منها خصوصا قول الشاعر :
هذي عنيزة مانبيعه بالزهيد
لا فرعن البيض نحمي جالها
او قوله :
لي بندق ترمي اللحم لو هو بعيد
ما وقفت بالسوق مع دلالها
ولهذا البيت لقب الشاعر علي الخياط براع البندق وقد نشرت هذه القصيدة عدة مرات ومن اشهر من نشرها شيخنا الفاضل عبدالله بن خميس في كتابه اهازيج الحرب او شعر العرضه وفي برنامج من القائل الذي اصبح كتابا فيما بعد كما نشرها غيره وقد سبق لي الحديث عن الشاعر والقصيدة في مقالة قديمة هاتفني بعدها مشكورا الراوية المعروف والمؤرخ البطحي رحمه الله وصحح لي بعض المعلومات عن الشاعر وعدل لي بعض الالفاظ الواردة في القصيدة والتي يرى انها تمثل الرواية الصحيحة وفي مطلع عام 1424هجرية قدم استاذنا الكريم المؤرخ الراوية البطحي رحمه الله بحثا رائعا عن الشاعر علي الخياط راع البندق ولم ينشر هذا البحث حتى الان وقد اورد فيه معلومات مفيدة للغاية وعدد من الوثائق النادرة فجزاه الله خيرا على هذا البحث الرائع كما اورد الرواية التي يرى صحتها لقصيدة الخياط واليكم القصيدة برواية البطحي رحمه الله واسكنه فسيح جناته :
يادارنا لاترهبي يومك سعيد
حنا حماة الدار وشب شعالها
هذي عنيزة مانبيعه بالزهيد
لا فرعن البيض نحمي جالها
دونك ودون الغيد مخضر الجريد
نروي من الضد الحريب سلالها
ياما ذبحنا دون غضاة تميد
جنايز ترمى ولا احد شالها
ياشيخ ياللي مانشى مثلك وليد
لارفعن الخيل شهب اذيالها
لو جبت عناز وشمر وابن رشيد
ونجد جميعه دقها وجلالها
جبته وخليته كما حلقة حديد
شرق وجنوب وغربها وشمالها
الدار دونه لابة تحمي الطريد
صعب على كل العداء منالها
كم سابق يوم اللقا جريه يزيد
عاداتنا ضربه وضرب امثالها
تاطا حديد وفوق راكبها حديد
توطته مركوبته بنعالها
عينت وين الجرو تكفى لاتحيد
قل له تعشته الضرا وعيالها
لي بندق ترمي اللحم لو هو بعيد
ما وقفت بالسوق مع دلالها
خمس رصاصه ستة اشبار تزيد
ملح الجريفه محيل يعبالها
ربعي هل الطولات والباس الشديد
خطر عزايمها تهد جبالها
اولاد علي هم عمى عين الضديد
عقالها يوم الوغى جهالها
وان كان تبغى الحكم بالراي السديد
ادحم على الديره وخضب جالها
منقول بتصرف وانتم سالمون وغانمون والسلام