الناس قد يكون متلبسا بمعصية كبيرة أو صغيرة , ومعلوم أن الصغيرة تكون كبيرة مع الإصرار كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما , وانما الصغيرة هي التي يُلِمُّ بها الانسان على جهالة ثم يقلع عنها .
وهذه المعصية أو الذنب - أياً كان - إما أن يكون مستورا عن الناس أو مفضوحا , والغالب أن يكون مستورا , ولا شك أن هذا أخف وأرجى للتوبة , لما جاء في الحديث الصحيح " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " أي الذين يجاهرون بالذنوب فهؤلاء أبعد عن العافية والتوبة والعياذ بالله
.
ثم هذا المذنب إما أن يكون مترددا في الذنب تلومه نفسه على ارتكاب المعصية , وإما أن يكون غافلا لا يأبه بالذنب ولا يقع في قلبه وجل ولا خوف ولا حياء عند ارتكابه .
فالذي يفعل الذنب على خوف وحياء وتردد فهذا قريب من الله والتوبة قريبة منه , وليحمد الله على ذلك لأن الله تعالى لم يختم على قلبه بل جعل له زاجرا من نفسه يُذكِّره كلما أذنب فينزجر عن ارتكاب المعاصي .
وأما من لا يأبه بالمعصية فهذا على خطر عظيم , فقد يكون مختوما على قلبه فلا يستفيق الا عند الموت , وحينئذ لا تنفعه توبته والعياذ بالله .
يقول الله تعالى في وصف هذين الجنسين ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) النساء
وكذلك يدخل هذان الصنفان فيما ذكره الله تعالى من النفس اللوامة - وهو الصنف الاول - والنفس الإمارة بالسوء – وهو الصنف الثاني - .
والمقصود أيها الأحبة أننا خطّاءون ومذنبون لا محالة , ولكن من أي الفريقين نحن ؟! هل نحن ممن يتردد في معصيته ويقع في قلبه وَجَلٌ وخوفٌ حين ارتكابها , أم ممن ختم الله على قلبه فلا يأبه بما يفعل ولا يقيم لله وزناً !
ولعلي أذكر بعض الذنوب المشهورة التي يقع فيها أغلب الشباب والفتيات , وهي في نظري أربعة ذنوب : مشاهدة الحرام سواء في الانترنت او غيره , والغناء , والمعاكسات , والعادة السرية !
فمشاهدة الحرام والعياذ بالله يعد من أخطر الذنوب المنتشرة في العصر الحاضر , وذلك لتيسر أسبابه وتعددها , فمنها التلفاز والانترنت والهاتف الجوال ووو غيرها , وأخطر هذه الوسائل هو الانترنت ثم الجوال , وذلك لأنها خفية عن الأنظار فلا يشاهدها سوى صاحبها , وهذا الصاحب سواء كان شابا أو فتاة , عادة ما يكون منزويا في غرفته لا يراه أحد من أهله , ومن هنا صار فريسة سهلة للشيطان والذي سيرغمه حتما على مشاهدة الحرام , لأن اسباب المعصية مهيأة بالكامل , وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( انما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) .
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد منها : أن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه, وهذا مشاهد , فإن الانسان اذا كان مع غيره فإنه يشعر بالنشاط والهمة سواء كان في العبادة أو غيرها – وليس هذا من باب النفاق - وأما اذا كان لوحده فإنه يكون كسولا خاملا سواء في العبادة أو غيرها , وهذا في الغالب وإلا فلكل قاعدة شواذ .
والمقصود أن الشاب أو الفتاة اذا اغلق على نفسه الغرفة واستفرد بالشاشة فانه قد ساهم في إعانة الشيطان على نفسه ومن ثم وقوعه في المعصية , ولهذا يوصى كثيرا بأن يكون الإنترنت في مكان مفتوح في المنزل قريبا من أعين الأهل .
وقد تسمع كثيرا من الناس يقول لقد حاولت أن اتوب من مشاهدة الحرام ولكني لم أستطع ! وبعضهم يقول لم يرد الله أن أتوب فأنا مكتوب علي أن أعصي الله بذلك فلا مفر لي , وغير ذلك من الأعذار التي يمليها الشيطان في قلوب البعض !
فإذا أتيت لمثل هؤلاء الأشخاص وجدتهم لم يفعلوا الاسباب المعينة على الخير والمبعدة عن المعصية , فمن أراد التوبة حقا فعليه أن يجتهد في تحصيل أسبابها أولا , فإن مثله مثل المريض اذا اراد العافية والشفاء فإنه يبحث عن أسبابها كتعاطي الدواء والحمية عن بعض المأكولات الى غير ذلك من الاسباب , فهكذا من أراد التوبة فإن عليه تحصيل أسبابها وهي سهلة ميسرة بحمد الله , فمن اراد الاقلاع عن مشاهدة الحرام في الانترنت فليجلس بين اهله واخوانه اذا اراد التصفح فيه , ومن اراد الاقلاع عن مشاهدة الحرام في جهاز الجوال فليتخلص من الشرائح الملوثة , أو يغير جهازه .... الخ
وزبدة الكلام أن لكل شي أسباب تعين عليه وأسباب تبعد عنه , فإن كان ذاك الشيء حراما فالزم أسباب اجتنابه وأغلق أبواب الشيطان , وإن كان طاعة فالزم اسباب تحصيله واستجب لداع الرحمن.
وهذه المعصية وأعني مشاهدة الحرام تعتبر من أخطر المعاصي على المسلم , وذلك لأن الموت يبغت الانسان في أي لحظة ولا يستأذن صاحبه في قبض روحه , فربما سلبت روحه منه وهو يشاهد الحرام , وحينها فما أعظم فضيحته , وربما عوقب بأن يُجعل وجهه أسوداً , وعيناه شاخصتان , فما أشنعها من ميتة وما أقبحه من منظر ! فماذا سيقول أهله وهكذا المغسلون أو المغسلات لها اذا رأوها بتلك الحال الفظيعة والعياذ بالله .
فكثيرا ما سمعنا أن فلانا مات بهذه الهيئة , وان فتاة ماتت وهي ممسكة بالسماعة , أو ماتت عارية في الحمام , وغير ذلك من الفضائح عصمنا الله واياكم , يقول الامام ابن رجب رحمه الله : سوء الخاتمة يكون بسب دسيسية بين العبد وربه لا يعلمها الا الله , فيفضحه الله بها عند موته , وقد ثبت في الصحيح أن من أشد الناس عذابا من اذا خلا بمحارم الله انتهكها والعياذ بالله .
وقبل يومين قرأت أن امرأة عجوزاً في القصيم توفيت وهي ساجدة في آخر سجدة من صلاة التراويح في مسجد الحي , ( فأي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) نسأل الله حسن الخاتمة وأن لا يفضحنا بذنوبنا إنه هو الحليم الغفور ......
المصدر مجالس ال رشود