الله لايهينك بدر على الموضوع المثير فقد قرأت قبل سنتين تقريباً مقالة أحتفظ ببعضاً منها وهي لـ أبابطين فيها رأي وتعليق وتعقيب على الفلكي خالد الزعاق الذي يرى نجاح تجربة إثارة المطر اصطناعياً وأن هناك محاولات لترجمتها على الواقع حيث يطلب فيه تدخل العلم في معالجة الجفاف والتصحر في بلادنا عن طريق استحلاب السحب ويقصد بذلك إسقاط الأمطار من السحب باستخدام العديد من التقنيات مشيداً بمحاولات فاشلة لبعض رجال الفلك الغربيين في إثارة المطر اصطناعياً وبتأمل كلامه (والقول هنا لـ أبابطين ) نجد أنه حشد نظريات وتجارب غريبة يائسة لاستنزال المطر من السحب اصطناعياً مطالباً بتطبيقها في بلادنا مهبط الوحي ومنبع الرسالة من غير أن ينظر في حكمها الشرعي وما تؤول إليه من مفاسد شرعية فلعله غفل عن هذا ونقلها من غير قصد وأداء لواجب النصيحة أذكر له وللقارئ الكريم ما يحضرني من مفاسد تلك النظريات والتجارب الغربية التي نقلها لئلا يغتر بها ناقلها أو أحد من إخواني المسلمين فأقول:
أولاً: إن فيها مصادمة للنصوص الشرعية الدالة على أن الله وحده هو الذي ينزل الغيث وينشره بين عباده، وتدخل في أفعال الله التي لا معين له فيها ولا يقدر عليها إلا هو، قال سبحانه {أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} فلا يستطيع أحد من الخلق إنزال الغيث، ولا يعلم وقت ومكان نزوله إلا الله وحده، حتى الملك الموكل به، لا يستطيع ذلك ولا يعلمه قبل أن يؤمر به، قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...} قال: هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وانزال الغيث لا يعلمه إلا الله، فإذا أمر الله به علمته الملائكة الموكلون به، وفي الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في غد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله".
ثانياً: معارضة حكمة الله في تصريف الغيث، فالله سبحانه وحده هو الذي يصرف الغيث بين العباد، قال جل وعلا {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا} قال ابن كثير رحمه الله: أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها إلى الأخرى، فيمطرها ويجعلها غدقاً، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة، وله في ذلك الحكمة البالغة.
ثالثاً: تعطيل الأسباب الشرعية التي شرعها الله سبحانه لعباده حال الجدب وتأخر الأمطار، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال "إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه، قالت: فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت"، فدل الحديث على الصفة التي يطلب بها الغيث، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه الجدب وقلة المطر، رفع يديه إلى السماء يستسقي ربه ملتجئا إليه متوكلاً عليه، فهذا هو المشروع للمسلمين، وليس استحلاب السحب صناعياً بالطائرات وغيرها.
رابعاً: اغفال الناس عن الأسباب المانعة من نزول الغيث، وهي الذنوب والمعاصي، فقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان فجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل يا رسول الله: استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت {إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون}، وروي عنه صلى الله عليه وسلم قوله "وما منع الناس زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء.." الحديث، فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الذنوب والمعاصي من أسباب منع القطر من السماء، والله سبحانه أمر عباده في هذه الحال بالتوبة والاستغفار والدعاء، قال تعالى {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً} فمحاولة طلب الغيث بغير الأسباب الشرعية اغفال للناس عن الأسباب المانعة له، وهي الذنوب والمعاصي، وصرفهم عن التوبة منها والاقلاع عنها .
خامساً: صرف القلوب عن التوكل على الله والاعتماد عليه واللجوء إليه في طلب الغيث ونزول الرحمة، وتعلقها بغيره ممن لا يملك لها نفعاً ولا ضرا.
شكراً بدر على الخبر وما أعلاه هو ماقرأته ونقلته لكم والله أعلم