في الخليج العربي الصيادون الفقراء الذين كانت ثروتهم في قاع البحر، أسماكا ولؤلؤا ورحلات مميتة بين هذا الشريان الصغير والهند في جلب الرز والأخشاب وأدوات البناء، وكذلك بدو الصحراء الذين يطاردون الغيمة في متاهاتهم الجغرافية ليطعموا مواشيهم الأعلاف وكان حلمهم الأكبر أن يصلوا إلى بلدان الأنهار والنخيل، والأرز وفواكه الصيف والشتاء، وملابس تغطي عريهم من شمس الصيف وزمهرير الشتاء، وبعض تعليم يجعلهم (يفكون الحرف) وكتابة بعض الأرقام في معاملاتهم الصغيرة..
هؤلاء عندما تفجر النفط في أرضهم جاء من يعتبره مصادفة جغرافية سيئة حيث جاءت لصالح المستعمرين والامبرياليين، ولا ندري إذا كان اكتشاف كنوز الأرض من معادن وفحم حجري ويورانيوم وغيرها، تقع تحت نفس المصادفة الملعونة، الغريب أن أنصاف الأميين في الخليج وجزيرة العرب لم يقفوا، أو يعاندوا الواقع بتحويل هذه الثروة في بناء السجون ومعسكرات الاعتقال وتسيير الاعلام المسيس للاحتفال بثورة الفاتح، و 14تموز وتحويل ذكريات تلك الانقلابات إلى أعياد قومية، بل جعلوا هذه الثروة مدنا حديثة، وموانئ ومطارات وجامعات، وكل الاحتياجات التي تفرضها المستويات المتصاعدة للتنمية في استغلال الثروة الوطنية، عكس المدن ذات العراقة التاريخية التي أحاطت بها أحزمة مساكن الصفيح والعشش والمنازل العشوائية، وهي الأكثر ثراء في محيط سكاني هجر المزارع والمناطق التجارية بسبب التأميم وتقنين السلع وتحويل القومية بيد رأسمالية الدولة المتعسفة..
الموضوع لا يدخل في باب المفاخرة لأننا أمة واحدة والدليل أن كل الحروب تقاسمت مسؤولياتها الدول المحاربة والمساندة، وقد تحملت الدول الخليجية نصيبها الكبير في تلك البانوراما البائسة، لكن اللوم لا يقع على بلدان لا تملك النفط ومدخرات هائلة من التراث التي تعد احدى وسائل الاستثمار السياحي، وإنما على التي تملك تعدد هذه الثروات بما فيها النفط لنرى طرابلس لا تبتعد عن أي عاصمة أفريقية بائسة مثل مقديشو، وهناك تماثل كبير عندما نرى تونس والأردن تتفوق على غيرها استقراراً وتنمية متصاعدة..
ونأتي على الثروات المنسابة بين الأقطار العربية وكيف أن أرقام الاستثمارات الخليجية في البلدان العربية، رغم المخاوف من تقلب السياسات، تفوق الأجنبية، وتدار بفعل احترافي رغم تخلف الأنظمة، وبيروقراطيتها الضيقة التي تحاول عرقلة مثل هذه الاستثمارات..
هل هي الواقعية السياسية التي قادت إلى الاستقرار، وأدت بدول الخليج ان تكون نموذجاً مختلفاً وان تلك السلالات المحيطة بالبحر وفي تخوم الصحراء خرجت من ماضيها الفقير وشبه المعدم إلى فهم التاريخ والتعامل معه، وتطلعت للمستقبل ورسمت خططها واستراتيجياتها على مبادئ أن الاستقرار مفتاح التنمية والتطور، وأن الصدفة التاريخية مع النفط كانت الأعظم في تاريخهم؟
كانت الكلمات أعلاه هي كلمة جريدة الرياض اليوم 4/5/1428هـ للكاتب يوسف الكويليت