اليوم السابع والعشرون من رمضان
ـ ليلة القدر خير من ألف شهر:
أعظم ليلة في شهر رمضان بل وأعظم ليلة في العام كله علي رأي جماهير العلماء – هي ليلة القدر.
ومعني القدر أي: المنزلة العظيمة وهي الليلة التي أشير إليها في قوله تعالي (إنا أنزلناه في ليلة القدر, وما أدراك ما ليلة القدر, ليلة القدر خير من ألف شهر, تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي حتى مطلع الفجر).
وأكثر العلماء على أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وقال بعضهم غير ذلك. ولكن الأكثرية من هؤلاء علي أنها منحصرة في العشر الأخير من رمضان في أيامه الوترية (21- 23- 25- 27- 29)
وتعتبر ليلة القدر من خصائص الأمة المحمدية
وقد أخفي أمرها عن الناس لينشطوا إلي العمل في سائر الأوقات وكونها في ليلة السابع والعشرين أمر غالب.
يجب في ليلة القدر الانصراف التام للصلاة والدعاء والعمل الصالح
ـ الحجاج بن يوسف الثقفي يلقي حتفه:
من حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 95 هـ وفاة القائد الأموي الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي توفي ليلة سبع وعشرين من رمضان .
قال ابن كثير (البداية 9/138): أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج في ليلة مباركة على الأمة. كان شجاعاً مقداماً مهيباً متفوهاً فصيحاً سفاكاً.
ولي الحجاز ثم العراق وخراسان عشرين سنة، وأقره الوليد بن عبد الملك على عمله بعد أبيه عبد الملك بن مروان.
قاتل ابن الزبير وقتله، ثم صلبه. كان لا يصبر عن سفك الدماء، وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة، وكان مبدأ أمره أن ولي شرطة أبان بن مروان.
أصيب قبل وفاته بالأكلة فسوغه الطبيب لحماً في خيط فخرج مملوءاً دوداً، وسلط الله عليه البرد، فكان يوقد النار تحته وتؤجج حتى تحرق ثيابه وهو لا يحس بها، فشكا إلى الحسن البصري فقال: ـ ألم أكن نهيتك أن تتعرض للصالحين!! فلما مات سجد الحسن شكراً لله وقال: ـ اللهم كما أمته فأمت سنته.
قيل : قَتَل الججاج مائة وعشرين ألفا، ووجد في سجونه يوم موته ثلاثة وثلاثون ألفا لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب.
ـ عادات رمضانية طيبة في مكة المكرمة:
ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان ما أشار إليه الرحالة المؤرخ ابن بطوطة في رحلته (1/185) فقد أشار إلى بعض ما تعوده أهل مكة حرسها الله من عادات رمضانية طيبة في ليالي الشهر المبارك، تبلغ ذروتها في ليلة السابع والعشرين من رمضان. قال ابن بطوطة:
ـ (وأعظم تلك الليالي عند أهل مكة ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي, ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية (وهو محراب كان يصلي فيه إمام الشافعية) خشب عظيم وتعرض بينها ألواح طوال ويجعل ثلاث طبقات (مدرّج) وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يغشي الأبصار شعاع الأنوار, ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخرة ثم يبتدئ قراءة سورة القدر ـ وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة في مكة عن التراويح، تعظيماً لختمة المقام ويحضرونها متبركين ـ فيختم الإمام في تسليمتين، ثم يقوم خطيبا مستقبل المقام، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم، وانفض الجمع ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي، في منظر مختصر وعن المباهاة منزه موقر.
ـ وقعة افراغه وهزيمة للفرنجة في الأندلس:
ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان انتصار المسلمين في الأندلس في وقعة مدينة (إفراغة) التي كان فيه الزاهد المجاهد أبو عبد الله مردنيش الجذامي المغربي.
قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 20/234) كان معه عدة رجال أبطال يغير بهم يمنه ويسرة، وكانوا يحرصون على خيلهم كما يحرص أهل الثغر، وكان أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين يمدهم بالمال والآلات ويَبّرهم.
ولمردنيش مغازي ومواقف مشهودة وفضائل، ففي سنة 557هـ سار ابن رذمير (من الفرنجة) فنازل مدينة إفراغة وبها ابن مردنيش، وطال الحصار، فكتبوا إلى أمير المسلمين علي بن تاشفين ليغيثهم، فكتب إلى ابنه تاشفين وإلى الأمير يحيى بن غانيه بإغاثتهم وإدخال الميرة إليهم، فتهيأ لنجدتهم أربعة آلاف فما وصلوا إلى (إفراغة) إلا وقد فني ما بها، ولم يبق لابن مردنيش سوى حصان، فذبحه لهم فحصل لكل واحد أوقية أوقية
ولما وصل يحيى بن غانيه مغيثاً لهم، اتفق رأي ابن مردنيش معه على أن يوقعوا العدو بين فكي كماشة، بعد أن يستدرجوه بواسطة قافلة الأقوات والطبول والرايات التي تتقدم أمامه قال: فإذا أبصر الأفرنجي اللعين الرايات والطبول والزمر حمل عليه، فَنِكّر عليه من الجهتين.
قال : فصلينا الصبح في ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وأبصر اللعين الجيش، وقد استراح من جراحاته، وكان عسكره إذ ذاك أربعة وعشرون ألف فارس سوى أتباعهم، فقصدوا الطبول فانكسروا وتفرقوا ـ يعني المسلمين ـ الذين فيها، فتبعهم الإفرنج ليأخذوهم، فأتينا الروم عن أيمانهم وشمائلهم ونزل النصر، وعمل السيف في الروم حتى بقي ابن رذمير في نحو أربعمائة فارس، فلجؤوا إلى حصن لهم، وبات المسلمون محاصرين له، ثم هلك ابن رذمير بعد خمسة عشر يوماً من هزيمته غماً ومرضاً.
ـ فتنة في دار الخلافة العثمانية استنابول
ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1223هـ الفتنة العظيمة التي وقعت في استانبول دار الخلافة العثمانية في أواخر أيامها
جاء في عجائب الآثار (3/245) أن مصطفى باشا البيرقدار تحكّم في الدولة بالقوة فقتل السلطان سليم وولي السلطان محمود وفرق وشتت فرقة الينكجرية وقتلهم (فرقة الإنكشارية الخاصة بحماية السلطة)
فلما فعل ذلك تجمعت فلول الينكجرية العسكرية، ثم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والشرين من رمضان، وجماعة مصطفى باشا وطائفته متفرقون في أماكنهم غافلون عما دبر لهم، فخرق المهاجمون باب السراية وكبسوا عليه، فقتل من قتل من أتباعه من قتل وهرب، من هرب واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه وأوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب.
وخاف السلطان محمود لأن سراية الوزير بجانب السراية السلطانية، فأرسل يستنجد بقاضي باشا وقبطان باشا ـ وهما من القواد العسكريين ـ فحضروا واشتد القتال بين الفريقين، وأكثر الينكجرية المهاجمون من الحريق في البلدة، حتى أحرقوا منها جانباً كبيراً
فلما عاين السلطان ذلك هاله، وخاف من عموم حريق البلدة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم، فأوقفوا الحريق وهرب قاضي باشا وكذلك قبطان باشا.
ثم إن الينكجرية أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتاً تحت الردم، وسحبوه من رجليه إلى خارج، وعلقوه في شجرة ومثّلوا به . . . كل ذلك ليلة ويوم السابع والعشرين من رمضان.
ـ كسوة الكعبة أيام المأمون العباسي:
ويذكر صاحب (السيرة الحلبية 1/281) في باب كسوة الكعبة أن المأمون العباسي كان يكسو الكعبة الديباح الأحمر والديباج الأبيض والقباطي. فكانت تكسى الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان.
قال بعضهم: وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي، ثم في زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير، واستمر ذلك زمناً طويلاً.
وكسوة الكعبة كانت من غلة قريتين يقال لهما: بيسوس وسندبيس من قرى القاهرة، وفقهما الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة نيف وخمسين وسبعمائة. قال: والآن زادت القرى على هاتين القريتين.
ـ مطر وبَرَد عجيبان في القاهرة:
وجاء في (عجائب الآثار 3/243) في حوادث سنة 1222هـ قال:
ـ ومن الحوادث السماوية أنه في سابع عشرين من رمضان في هذه السنة غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى، وذلك من أطراف القاهرة، وأمطرت برداً في مقدار بيض الدجاج وأكبر وأصغر، فهدمت دوراً وأصابت أنعاماً، وتسببت في خسائر واسعة غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري، فالحمد لله على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ـ القاضي ابن جملة يتعدى في استخدام صلاحياته:
ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 734هـ قضية القاضي ابن جملة.
قال ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية 14/166) إن الشيخ ظهير شيخ ملك الأمراء كان هو الوسيط الذي سعى في تولية ابن جملة القضاء، ولكن بعد مدة وقع بينهما منافسة ومحاققة، فما كان من القاضي ابن جملة إلا أن استدعاه إلى مجلسه وعزره فيه، ثم سلمه إلى أعوانه فطافوا به البلد على حمار يوم الأربعاء سابع عشرين من رمضان، وضربوه ضرباً عنيفاً، ونادوا عليه وأهانوه.
فتألم الناس لكونه في الصيام وفي العشر الأخير من رمضان ويوم سبع وعشرين وهو شيخ كبير صائم، فما أمس حتى استفتي على القاضي المذكور، ودار الناس على المشايخ.
فلما كان يوم تاسع عشرين عقد نائب السلطة بين يديه بدار السعادة مجلساً حافلاً بالقضاة وأعيان المفتين، وأحضر ابن جملة والمجلس قد احتف بأهله، فحضر ولم يأذنوا له بالجلوس بل بقي قائماً، ثم أذنوا له بالجلوس بجانب خصمه الذي جيء به في محفّة (نقالة).
وادعى على ابن جملة في المجلس الشيخ ظهيرا أنه حكم فيه لنفسه واعتدى عليه في العقوبة، وأفاض الحاضرون في ذلك وانتشر الكلام، فما انفصل المجلس حتى حكم القاضي شرف الدين المالكي بفسق ابن جملة وعزله وسجنه، فانفض المجلس على ذلك.
وُرسمَ ( حكم ) على ابن جملة بالسجن بالعذاروية، ثم نقل إلى القلعة جزاء وفاقاً.
ـ أبو الفضل البخاري يحدث رحاله:
ومن حوادث اليوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1200 هـ وفاة المحدث الفقيه البارع محمد بن أحمد بن محمد صفي الدين أبي الفضل الحسيني - الشهير بالبخاري – طبعاً هو غير الإمام المحدث محمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح.
قال في (عجائب الآثار 1/653 ) طوّف أبو الفضل البخاري كثيراً وانتقل بين البلدان، وأفاد واستفاد، دخل اليمن ثم زبيد ثم حج، ثم رحل إلى ينبع وورد مصر سنة 1182هـ، ثم انتقل إلى الصعيد ثم رجع إلى مصر فبيت المقدس، ثم عاد إلى مصر أكثر من مرة.
و كان أبو الفضل البخاري حيثما حل يجتمع مع الأكابر ويقرأ العلوم ويجيز ويستجيز، واجتمع بالسيد الزبيدي صاحب (تاج العروس) فعرف له الزبيدي قدره ونوه به، فأكرمه الناس وهادوه.
ثم سافر أبو الفضل البخاري إلى دمشق، وأخذ عنه علماؤها واحترموه واعترفوا بفضله، وكان إنساناً رأساً في فن الحديث، يعرف فيه معرفة جيدة لا يدانيه فيها أحد, ثم سافر إلى نابلس واستقر أخيراً بها.
له مؤلفات في علم الحديث.
توفي أبو الفضل البخاري بنابلس سحر ليلة الأحد سابع عشرين رمضان ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني. رحمه الله.
ـ الفقيه الشافعي ابن كجّ إمام مقصود من كل ناحية:
وممن توفي في السابع والعشرين من رمضان سنة (405هـ) القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كجّ الدينوري شيخ الشافعية (طبقات الفقهاء 1/223).
وكج اسم للجص الذي يبيض به الحيطان نسبة إلى جده.
كان يضرب بابن كج المثل في حفظ المذهب، وله فيه وجه، وله تصانيف كثيرة وأموال وحشمة.
ارتحل إليه الناس من الآفاق رغبة في علمه وجوده، جمع بين رياسة الدين والدنيا
وكان بعضهم يقدمه على الشيخ أبي حامد قال له تلميذ:
ـ يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك !! فأجاب ابن كجّ: هو ذاك رفعته بغداد، وحطت مني نيسابور (سير أعلام النبلاء 17/184).
من تصانيفه (التجريد في المهمات) وهو مطول.
وكانت وفاته حزينة مؤسفة فقد تعرض له العيارون والحرامية بدينور، وقتلوه ليلة السابع عشر والعشرين من رمضان سنة 405 هـ رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به
واعف عنا واغفر لنا وارحمنا
يا أرحم الراحمين