بسم الله الرحمن الرحيم
سيف محمد ( مقال مترجم لكاتب يهودي )
هذا المقال المثير للكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري ، الذي دافع فيه عن الإسلام والمسلمين في وجه اتهامات البابا ؟ لم أقرأ بعد لأي كاتب مسلم ( بالإنكليزية ) رداً بهذه القوة ، عنوان المقال " سيف محمد "، وخلاصته تعبيره عن الامتنان للمسلمين الذين حافظوا على اليهودية واليهود طوال 14 قرناً ، بل وحموها من عسف المسيحيين وظلمهم ومجازرهم ، معتبراً الذين فرضوا دينهم بالسيف هم المسيحيون ، بل يذهب إلى القول إن الحكام المسلمين كانوا يمنعون تحويل اليهود إلى الإسلام بالقوة أو باللطف . ان الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر .
أوري أفنيري
23.9.06 سيف محمد :
منذ أن كان قياصرة روما يقذفون بالمسيحيين إلى الحلبة ، فريسة للأسود ، شاهدت العلاقات بين القياصرة ورؤساء الكنيسة تقلبات كثيرة . لقد حوّل القيصر قستنطين الأكبر ، الذي ارتقى السلطة عام 306 - قبل 1700 سنة بالضبط - الدين المسيحي إلى دين الإمبراطورية ، التي كانت تضم أرض إسرائيل أيضا . مع مرور الزمن انقسمت الكنيسة على ذاتها بين فرعيها الشرقي ("الأرثوذكسي") والغربي ("الكاثوليكي")، وقد طالب البطريرك الغربي ، الذي أصبح البابا فيما بعد ، من القيصر الاعتراف بسلطته العليا . لقد تصدرت النزاعات بين القيصر والبابا ، في العديد من الأحيان ، مركز تاريخ أوروبا وجزأت الشعوب . لقد عرفت هذه النزاعات مدا وجزرا . كان هناك قياصرة أقالوا البابا أو نفوه وكان باباوات أقالوا أو نفوا القيصر . أحد القياصرة ، وهو هاينريخ الرابع، " ذهب إلى كانوسا "، حيث وقف هناك حافي القدمين على الثلج لمدة ثلاثة أيام متواصلة أمام مقر البابا حتى وافق الأخير على إلغاء النفي الذي فرضه عليه . غير أنه كانت هناك فترات طويلة عاش فيه القياصرة والباباوات بسلام أحدهم مع الآخر . نحن نشهد في الفترة الحالية انسجام يثير الدهشة ، بين البابا الحالي ، بندكتوس السادس عشر ، والقيصر الحالي ، بوش الثاني ، علينا أن ننظر ، على هذه الخلفية ، إلى خطاب البابا الذي أثار ضجة عالمية : أنه يندمج بشكل جيش في الحملة الصليبية التي يقودها بوش ضد " الفاشية الإسلامية "، في إطار " صراع الحضارات ".
في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانية ، أراد البابا ، المائتان الخامس والستين ، أن يثبت أن هناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام : بينما ترتكز المسيحية على المنطق ، فإن الإسلام ينكره . بينما يرى المسيحيون منطقا في أعمال الله ، ينكر المسلمون أية منطق في أعمال الله .
بصفتي ملحد يهودي ، أنا لا أنوي أن أجز نفسي في هذا النقاش . من أنا لأتتبع منطق البابا . غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه ، متعلق بي كإسرائيلي يعيش إلى جانب خط الجبهة في " حرب الحضارات ".
لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام ، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف ، وهذا أمر غير منطقي ، على حد تعبير البابا ، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد ، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح ؟
لتدعيم أقواله ، اقتبس البابا أقوالا أدلى بها قيصر بيزنطي بالذات ، وهو من أتباع الكنيسة الشرقية المنافسة . في أواخر القرن الرابع عشر روى القيصر عيمانوئيل الثاني عن نقاش أجراه ، على حد زعمه ( هذا الأمر مشكوك فيه ) مع مثقف فارسي مسلم مجهول . وفي خضم النقاش قال القيصر بخشونة ( على حد قوله ) أمام شريكه في الحديث :
" أرني شيئا جديدا أتى به النبي محمد ، وسترى أشياء سيئة وغير إنسانية فقط ، مثل أمر نشر دينه بقوة السيف " تثير هذه الأقوال ثلاثة أسئلة : (أ) لماذا قالها القيصر ؟ (ب) هل هي صحيحة ؟ و (ج) لماذا كررها البابا الحالي ؟
عندما سجل عيمانوئيل الثاني هذه الأقوال ، كان مليكا على إمبراطورية آفلة . لقد ارتقى السلطة عام 1391، حيث كانت قد تبقت محافظات قليلة من الإمبراطورية العظيمة . لقد هدد الأتراك باحتلال هذه المناطق أيضا في أي لحظة .
في تلك الفترة ، كان الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب . لقد احتلوا بلغاريا وشمال اليونان وهزموا الجيوش التي أرسلتها أوروبا مرتين ، بهدف إنقاذ القيصرية الشرقية . في عام 1452، بعد بضع سنوات فقط من موت عيمانوئيل ، احتل الأتراك عاصمته القسطنطينية ( اسطنبول اليوم ) وأدوا إلى نهاية الإمبراطورية التي دامت أكثر من ألف سنة . في أيام حكمه ، تجول القيصر عيمانوئيل في عواصم أوروبا طلبا للمساعدة . لقد وعد بتوحيد الكنيسة من جديد . لا شك في أنه كتب القصص عن نزاعاته الدينية ليثير حفيظة أوروبا ضد الأتراك وليقنعها بالخروج إلى حملات صليبية جديدة . كانت نيته سياسية ، وما كانت اللاهوتية إلا لخدمة السياسة .
إن الأمور ، من هذه الناحية ، تتوازى مع احتياجات القيصر الحالي ، جورج بوش ، فهو أيضا يحاول توحيد العالم المسيحي ضد " محور الشر " الإسلامي . إضافة إلى ذلك فإن الأتراك أيضا يطرقون باب أوروبا وفي هذه المرة بوسائل سلمية . من المعروف أن البابا يعارض القوى التي تطالب بانضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي .
هل هناك حقيقة في ادعاء القيصر عيمانوئيل ؟
لقد شكك البابا ذاته بأقواله . كلاهوتي جدي له سمعته ، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتزييف ما هو مكتوب . لذلك ذكر أن النبي محمد قد منع في القرآن بشكل واضح نشر الدين بقوة السيف . لقد اقتبس عن سورة البقرة ، الآية 256 ( صحيح أن البابا لا يخطئ ولكنه أخطأ هنا : لقد قصد الآية 257. لقد جاء فيها : " لا إكراه في الدين ".
كيف يتجاهلون قولا بسيطا وقاطعا إلى هذا الحد ؟ يدعي البابا أن هذه الآية قد كتبت في بداية طريق محمد ، بينما كان ما زال يفتقر إلى القوة ، ولكن مع مرور الوقت ، أمر باستخدام السيف من أجل الدين . لا يوجد لمثل هذه الوصية أي ذكر في القرآن . صحيح أن النبي محمد قد دعا إلى استخدام السيف في معاركه ضد خصومه من القبائل - المسيحيين واليهود - في شبه الجزيرة العربية ، عندما أسس دولته ، غير أن هذا كان عملا سياسيا وليس دينيا ، معركة على الأرض وليس على بسط الدين .
يسوع المسيح قال : " تعرفونهم من ثمارهم " علينا أن ننظر إلى تعامل الإسلام مع الديانات الأخرى حسب اختبار بسيط : كيف تصرفوا خلال أكثر من ألف سنة ، بينما كانت القوة بين يديهم ، وكان بمستطاعهم " نشر دينهم بقوة السيف ". هم لم يفعلوا ذلك .
لقد سيطر المسلمون في اليونان طيلة مئات السنين . هل اعتنق اليونانيون الإسلام ؟ حل حاول أي شخص إدخالهم في الإسلام ؟ على العكس ، لقد شغل اليونانيون وظائف كبيرة في الحكم العثماني . كما أن الشعوب أوروبا المختلفة مثل البلغاريين ، الصرب ، الرومانيين ، الهنغاريين ، الذين عاشوا فترات طويلة تحت حكم الأتراك ، قد تشبثوا بدينهم المسيحي . إن أحدا لم يجبرهم على اعتناق الدين الإسلامي ، وظلوا مسيحيين متدينين .
لقد أسلم الألبان وكذلك البوسنيون ، ولكن أحدا منهم لا يدعي بأنهم قد أكرهوا في ذلك . لقد اعتنقوا الدين الإسلامي ليكونوا محببين إلى السلطة وليتمتعوا بخيراتها .
في عام 1099 احتل الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود من دون تمييز ، وكانت هذه الأمور تنفذ باسم يسوع طاهر النفس . في تلك الفترة ، وبعد 400 سنة من احتلال المسلمين للبلاد ، كان ما زال معظم سكان البلاد من المسيحيين . طيلة كل تلك الفترة لم تجرى أية محاولة لفرض دين محمد على السكان . بعد أن طرد الصليبيون من البلاد فقط ، بدأ معظم بتبني اللغة العربية واعتناق الدين الإسلامي - وكان معظم هؤلاء هم أجداد الفلسطينيين في أيامنا هذه .
لم تُعرف أية محاولة لفرض دين محمد على اليهود . لقد تمتع يهود أسبانيا ، تحت حكم المسلمين ، بازدهار لم يسبق له مثيل في حياة اليهود حتى أيامنا هذه تقريبا . شعراء مثل يهودا هليفي كانوا يكتبون باللغة العربية ، كذلك الحاخام موشيه بن ميمون ( الرمبام ). كان اليهود في الأندلس المسلمة وزراء ، شعراء علماء . لقد عمل في طلطيلية المسلمة مسلمون ، يهود ومسيحيون معا على ترجمة كتب الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة . لقد كان ذلك " عصر ذهبي " بالفعل .
كيف كان لهذا أن يحدث كله ، لو كان النبي محمد قد أمر أتباعه " بنشر الإيمان بقوة السيف "؟
ولكن المهم هو ما حدث لاحقا ، حين احتل الكاثوليكيون أسبانيا من أيدي المسلمين ، فقد بسطوا فيها حكما من الإرهاب الديني . لقد وقف اليهود والمسلمون أمام خيار قاس : اعتناق المسيحية أو الموت أو الهرب . وإلى أين هرب مئات آلاف اليهود ، الذين رفضوا تغيير دينهم ؟ لقد استقبل معظمهم على الرحب والسعة في الدول الإسلامية . لقد استوطن " يهود الأندلس " من المغرب في الغرب وحتى العراق في الشرق ، من بلغاريا ( تحت حكم الأتراك آنذاك ) في الشمال وحتى السودان في الجنوب . لم تتم ملاحقتهم في أي مكان . لم يواجهوا هناك أي شيء يضاهي تعذيب محاكم التفتيش ، لهيب المحارق ، المجازر والطرد الذي ساد في معظم الدول المسيحية حتى حدوث الكارثة .
لماذا ؟ لأن محمد قد منع بشكل واضح ملاحقة " أهل الكتاب ". لقد تم تخصيص مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي لليهود وللمسيحيين . لم تكن هذه المكانة مساوية تماما ، ولكنها كادت تكون كذلك . كان يتوجب علهم دفع جزية خاصة ، ولكنهم قد أعفوا من الجيش مقابلها - وهذه الصفقة كانت مجدية جدا لليهود . يقولون أن الحكام المسلمين قد عارضوا محاولات إدخال اليهود في الإسلام حتى بالوسائل اللطيفة ، لأن هذا الأمر كان منوطا بخسارة عائداتهم من الضرائب .
كل يهودي مستقيم ، يعرف تاريخ شعبه ، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام ، الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا ، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم " بالسيف ".
قصة " نشر دين محمد بالسيف " هي أسطورة موجهة ، جزء من الأساطير التي نشأت في أوروبا أيام الحروب الكبيرة ضد المسلمين - إعادة احتلال أسبانيا من قبل المسيحيين ، الحروب الصليبية وملاحقة الأتراك ، الذين كادوا يحتلون فيينا . أشتبه في أن البابا الألماني يؤمن هو أيضا بهذه الأساطير إيمانا تاما . هذا يعني أن زعيم العالم المسيحي ، وهي لاهوتي مسيحي هام بحد ذاته ، لم يبذل جهدا في التعمق في تاريخ أديان أخرى .
لماذا صرح بهذه التصريحات علنيا ؟ ولماذا الآن بالذات ؟
لا مناص من النظر إلى الأمور على خلفية الحملة الصليبية الجديدة التي يخوضها بوش ومؤيدوه الإنجيليون ، وحديثه عن " الفاشية الإسلامية " و " الحرب العالمية ضد الإرهاب "، بينما يتم توجيه كلمة " الإرهاب " إلى المسلمين . إن هذا الأمر بالنسبة لمن يوجه بوش هو محاولة ساخرة لتبرير الاستيلاء على مصادر النفط. هذه ليس المرة الأولى التي تلبس فيها المصالح الاقتصادية الجرداء قناعا دينيا ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيه حملة نهب إلى حملة صليبية . يندمج خطاب البابا بشكل جيد في هذه المساعي . ولا أحد يعرف ما هي النتائج الممكنة . منقول وانتم سالمون وغانمون والسلام