عجب الذنب أو "العصعص" الموجود في نهاية عمودك الفقري أثار حيرة المفكرين والعلماء قرونا عديدة. وبسبب الغموض حول أصله وفصله تبنت الثقافات المختلفة (آراء مختلفة) حول فائدته والحكمة من وجوده.. فبالإضافة الى أنه غير مفيد في حياتنا اليومية - بل يسبب المشاكل لبعض الناس - يذكرنا وجوده في ذلك المكان بالذيل أو الذنب الذي تملكه كثير من المخلوقات. وحين نشر تشارلز داروين كتابه "أصل الأنواع" عام 1859ثم "أصل الانسان" عام 1871أشار إليه ك(بقايا ذيل أو ذنب) كان يملكه أسلافنا البشر في الماضي السحيق - وهو ما جعل البعض يتبناه كدليل على الأصل المشترك بين الانسان والقرد (...!)
ولكن الحقيقة هي أن هناك آفاقاً دينية وطبية - ومكتشفات علمية في طب الأعصاب والأجنة - تخرجنا من دائرة هذا التفسير الضيق.. فعجب الذنب مثلا جاء ذكره (بهذا اللفظ) في أحاديث نبوية كثيرة فسرت أصله وفصله والحكمة من وجوده؛ فقد أكدت مثلا أنه الأصل الذي ينشأ منه الإنسان والبذرة التي يُبعث منها يوم القيامة.. فهناك مثلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب" وقال أيضا "إن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم يا رسول الله قال عجب الذنب" كما قال كذلك "ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما تنبت البقل وليس في الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد هو عجب الذنب"..
وإذا نظرنا للموضوع من منظار "علم الأجنة" نكتشف أن أول ما يظهر من البويضة (بعد تلقيحها في الرحم وتحولها لمضغة) خيط أو شريط عظمي رفيع (يدعى الشريط الأولي أو primitive streak ) تنمو منه أنسجة وأعصاب وأعضاء الإنسان. وهو يظهر في اليوم الخامس عشر من الحمل ثم يتقلص ويتراجع في الأسابيع التالية ولا يبقى منه إلا أثر ضامر يعرف بالعصعص أو عجب الذنب (Coccyx أو Human Tailbone)!!.
وفي حال عدم تكون هذا الشريط يفشل الجنين في النمو والاستمرار - حتى لو حدث التلقيح - ولا ينتقل أبدا لمرحلة تكون الأعضاء وظهور الجهاز العصبي. وبسبب الدور الحيوي لهذا الشريط (الذي يتحول لعصعص) اتفقت اللجنة البريطانية المختصة بأخلاقيات التلقيح الصناعي على اعتماده كعلامة فاصلة تحدد الوقت الذي يُسمح فيه للأطباء بإجراء التجارب على الأجنة المبكرة أو الاستفادة من فائض التلقيح الصناعي في الأنابيب!!.
...وهناك حالة طبية فريدة تدعى "الجنين المسخ" تثبت أن عجب الذنب هو الأصل الحقيقي للإنسان. فبعد أن يؤدي (الشريط الأولي) دوره في تكوين الجنين يتراجع في الأسبوع الرابع ويستقر في آخر فقرة من العمود الفقري. ورغم تراجعه (كعصعص) إلا أنه يظل محتفظا بخصائصه الخلقية وقدرته على إنماء الأعضاء في حال نشط مجددا.. وهذا بالضبط ما يحدث في حالة "الجنين المسخ" حيث يعود العصعص لنشاطه بطريقة مفاجئة فيشكل أعضاء (إضافية جديدة) كاليد والقدم والأصابع أو ينمو كورم مسخي مشوه حين يفتحه الجراح يجد داخله أعضاء متفرقة كالأسنان والأمعاء والعظام والغدد!!.
...وكل هذه الشواهد تثبت أن عجب الذنب هو الأصل الذي ينشأ منه الإنسان ويتخلق منه الجنين مصداقاً لما جاء في الحديث الأول (منه خلق وفيه يركب).. وحين يؤدي مهمته - كبذرة يخُلق منها الإنسان في الرحم يضمر ويتراجع مكونا "العصعص" الذي لا يتحلل تحت التراب فيعاد منه تركيب الإنسان يوم القيامة...