مهما كتبت عن جدة لن أشفي غروري من عشقي لهذه المدينة الحالمة الجميلة أترككم مع بعض مما قرأته عنها من خلال تصفحي للكتب والمخطوطات القديمة التي تقول أن نشأة مدينة جدة تعود إلى ما يقارب 3000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد، ثم جاءت قبيلة قضاعة إلى جدة قبل أكثر من 2500 سنة فأقامت فيها وعرفت بها فيقال أنها سميت بأحد أبناء هذه القبيلة وهو جدة بن جرم بن ريان بن حلوان بن عمران بن إسحاق بن قضاعة ويعود نسبهم إلى الجد التاسع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويقال أيضاً إن أصل التسمية لهذه المدينة هو جُدة بضم الجيم ومعناها بالعربية - وربما يكون منطقياً بما فيه الكفاية - شاطئ البحر لكن المدرسة الفكرية تفضل تسميتها جَدة بفتح الجيم وهي والدة الأم وهذا ربما يؤكد أن حواء أم البشر دفنت فيها وقد ظلت مدينة جدة هدفاً لطموح البرتغاليين الذين كان لأسطولهم جولات في المنطقة مما دعا السلطان قنصوة الغوري في عام 910 هـ إلى توجيه قائده حسين كردي إلى مدينة جدة لإقامة سورها وتحصينه وتزويده بالقلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي تغير على المدينة وقد شرع حسين كردي في بناء السور وإحاطته من الخارج بخندق زيادة في تحصين المدينة من هجمات الأعداء وبمساعدة أهالي جدة تم بناء السور وكان له بابان واحد من جهة مكة المكرمة والآخر من جهة البحر ويذكر أن السور كان يشتمل على ستة أبراج كل برج منها محيطه 16 ذراعاً ثم فتحت له ستة أبواب هي: باب مكة - باب المدينة - باب شريف - باب جديد - باب البنط - باب المغاربة باب النافعة وأضيف إليها في بداية القرن الحالي باب جديد وهو باب الصبة وكان لأهل جدة أكبر الأثر في إتمام إعادة ترميم السور وبناء دار النيابة وجامع الميناء ومصلى العيد وقد هاجم البرتغاليون جدة وشكل السور عائقاً أمامهم وفي عام 1947م تم إزالة السور لدخوله في منطقة العمران وقد بلغت المساحة التقريبية للمدينة داخل السور 1.5 كيلو متر مربع وهي ما زالت تحتوي على لمسات من الحياة التقليدية القديمة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والتي تتركز غالباً حول أسواق المنطقة حيث تنتشر محلات الحرف التقليدية الشعبية القديمة ومن أشهر أسواق المنطقة التاريخية القديمة بجدة سوق العلوي وسوق البدو وسوق قابل وسوق الندى وقد قسمت مدينة جدة داخل سورها إلى عدة أحياء أطلق عليها مواطنو المدينة القدامى اسم "حارة" وتتميز شوارع جدة القديمة بتعرجاتها الواضحة إضافة إلى ضيقها بسبب حاجة السكان قديما لوجود ممرات ( أزقة ) للمشاة وعدم وجود السيارات بعد وتتكون جدة القديمة كما هي معروفة حالياً من ثلاثة أحياء رئيسية تسمى في عرف أهلها بالحارات وهي حارة اليمن وتضم دار آل نصيف ودار آل جمجوم وحارة المظلوم وتضم منزل محمد صالح باعشن ودار قابل ومسجد الشافعي وسوق الجامع وحارة الشام وبها دار آل سرتي ودار آل باناجة وقد اكتسبت تلك الأحياء أسماءها حسب موقعها الجغرافي داخل المدينة أو شهرتها بالأحداث التي مرت بها وهي :
حارة المظلوم :
سميت هذه الحارة نسبة للسيد عبدالكريم البرزنجي الذي قتلته الحكومة العثمانية وتقع في الجزء الشمالي الشرقي من داخل السور شمال شارع العلوي وبها دار باعشن ودار آل قابل ومسجد الشافعي وسوق الجامع.
حارة الشام :
تقع في الجزء الشمالي من داخل السور في اتجاه بلاد الشام وفي هذه الحارة دار السرتي ودار آل باناجة ودار الزاهد ودار الشريف .
حارة اليمن :
وتقع في الجزء الجنوبي من داخل السور جنوب شارع العلوي واكتسبت مسماها لاتجاهها نحو بلاد اليمن وبها دار آل نصيف ودار الجمجوم .
حارة البحر :
وتقع في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة جدة وهي مطلة على البحر وبها مبنى الكرنتينا .