مفهوم الإبتلاء والجزاء في الإسلام/ نظام الدين إبراهيم أوغلو
أ) تعريف الإبتلاء :
قال إسماعيل بن حماد الجوهري : بلوته بلواً: أي جربته واختبرته، ولاه الله بلاءً وابلاه إبلاء ًحسناً . وابتلاه : اختبره، والتبالي :الاختبار . والبلاء: الاختبار ، ويقال : ابلاه الله بلاءً حسناً وابتليته معروفاً .
وقال أبن منظرو : بلوت الرجل بلواً وبلاءً وابتليته : اخترته وبلاه يبلوه بلواً إذا جربته واختبره .. وابتلاه الله : امتحنه .. والبلاء يكون في الخير والشر .
يقال : ابتليته بلاءً حسنا وبلاءً سيئاً ، والله تعالى يبتلي العبد بلاءً حسنا و يبليه بلاءً سيئاً .. والجمع البلايا..
والأمثلة على الإبتلاء كثيرة أنظر كتب التاريخ حافلة بهذه الأمثلة منها إبتلاء فردي مثل الأنبياء والمرسلين ومن ضمنهم الرّسول (ص) وإبتلاء الأولياء والصّالحين والخلفاء الرّاشدين وغيرهم، أو إبتلاء جماعي كإمتحان المسلمين في حروبٍ فيما بينهم مثل واقعة الجمل وصفّين ونحو ذلك (وإتّقوا فتنة لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم الخاصّة). وما عليهم إلاّ الدّعاء والحذر من الوقوع في مثل هذهِ الفتن.
والإبتلاء قد يكون بالوفاة أيضاً سواء بسبب القتل ظُلماً من قبل الحكّام الظّالمين أو بالإستشاهد في الحروب مثل حروب المسلمين مع الأعداء وحتى بين المسلمين أنفسهم.
ب) تعريف الجزاء:
أي أخذ العقوبة فهو ناتج عن الفشل في الإبتلاء الإلهي أو عن إرتكاب جُرم أوخطأ..
والعقوبة في الإسلام : هي جزاء يقرره الشارع في حق كل من يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، أو يعين آخر على مخالفة تلك الأحكام، وتختلف طبيعة ذلك الجزاء باختلاف الجرم حدّةً وخفة، أو جزاء يقرره الله تعالى بطرق شتى سواءاً في الدنيا أو الأخرة فمن هنا نفهم بأن الجزاء الإلهي هو حق طبيعي لله تعالى وذلك انطلاقاً من عدالته فمن العدل أن يعوّض الله الإنسان المؤمن على صبره وجهاده وعبادته بما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. يقول تعالى:
(إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب)[1] ويعاقب الظّالم على جحده وإنكاره.
وفي القوانين الوضعيّة: (العقوبة قدر مقصود من الألم يقرره المجتمع ممثلاً بمشرّعه ليوقع كرهاً على من يرتكب جريمة في القانون، بمقتضى حكم يصدره القضاء). والعقوبة لا تستحق إلا عن جريمة، الذي يقرره القانون بإسم الجماعة ولصالحها ضد من تثبت مسئوليته واستحقاقه للعقاب . والأساس في الجزاء أو العُقوبات هي الرّدع لعمل الفرد للأعمال السّيئة والمحرّمة تجاه الإنسان والإنسانيّة. وقد تتبيّن الجزاء في الظّاهر مثل الإبتلاء إلاّ أنّها بينهما إختلافٌ كبيرٌ فالإبتلاء تكون للأولياء والصّالحين تحذير وكفّارة للذّنوب، وزيادة في الإيمان. أما في الجزاء فيكون فيها ذُل وخزي وخسارة للدنيا والأخرة عند عدم التوبة، فقال تعالى (ومن جاء بالسّيئة فكُبّتْ وجوهُهم في النّار، هل تجزون إلاّ ماكنتم تعملون)[2]. وقال أيضاً (قُل سيروا في الأرض فأنظروا كيف كات عاقبة المجرمين)[3] وآيات كثيرة. وقول الرّسول (ص) (إعمل ما شئت كما تدينُ تُدان).
الفرق بين الإبتلاء والجزاء
"أحاول أن أضع بعض العلامات الفارقة بين الابتلاء والجزاء (العقوبة):
1ـ العقوبة هي الجزاء المعجل الذي يقع على العباد نتيجة الفشل والرسوب في الامتحان والاختبار، بينما الابتلاء هو عملية دخول هذا الامتحان، فالابتلاء مقدمة، والعقوبة نتيجة.
2ـ الابتلاء من مجالاته الوقوف أمام الأسباب والمسببات، والعقوبة ناتجة عن الانحراف عن هذه الأسباب، وتنكب مسارها.
3ـ الاختلاف في أسباب كل منهما، فالإيمان والاستقامة على المنهج النبوي سبب الابتلاء، واشتداده في هذا المجال دليل على شدَّة الإيمان، ولذلك كان الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل. أما الجزاء والعقوبة؛ فمرجعه وسببه الانحراف عن المنهج، وكلما زاد الفسق، وكبر حجم الانحراف؛ اشتدَّت العقوبة.
4ـ الابتلاء سبيل الأمانة والتمكين، بينما العقوبة حرمان منها؛ قال تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمَّهنَّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}. فإبراهيم (عليه السلام) جُعل للناس إماماً؛ لأنه نجح في كل ما ابتُلي به وامتحن، بينما الذين يفشلون في ذلك يُحرمون هذه الأمانة، ولا ينالون ذلك العهد؛ {قال لا ينال عهدي الظالمين}.
5ـ إذا كانت التكاليف قائمة على الواسطيّة والاعتدال؛ فهي ابتلاء، أما إذا مالت عن الاعتدال؛ فهي جزاء وعقوبة للمكلَّف.
6ـ الابتلاء قد يكون علامة على حب الله ورضاه عنه، بينما العقوبة والجزاء إشارة إلى غضب الله وعدم رضاه عن العبد.
7ـ الابتلاء يهدف إلى تجميع كلمة الأمة، وتمتين الروابط فيما بينها، أما العقوبة؛ فقد تكون سبباً في تشتيتها وضرب قلوب بعضها ببعض، وزيادة العداوة والبغضاء بين أفرادها، وهذا ما كان في مسلمي بعض بلداننا، (فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم الله بما كانوا يعملون). فإن الأماني والمحاولات العاطفيّة والجهود التي تعتمد المناسبات والمصالح الموسمية أوهى من أن تقيم القاعدة الإسلاميّة الجادة أو تحفظ وحدتها، فما لم نحتكم إلى الكتاب حقيقة لا مظهراً، بعد إسقاط كل القناعات الشخصيّة الموروثة من عصور الصراع الإسلامي – الإسلامي، وما لم تكن كل قناعاتنا مستنبطة من الوحي محكوم به، فلا أمل لنا بوحدة أو عمل أو خلاص.
8ـ الفرق بينهما من حيث العلاج؛ فالابتلاء يحتاج إلى الاستعانة بالله، والصبر والتقوى، والرضا… وما إلى ذلك من أمور، أما العقوبة فتحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى التوبة والاستغفار والاستقامة وتصحيح المسار، ومواكبة سنن الكون الحياة "[4].
الحكمة من الإبتلاء والجزاء للمؤمنين الصّالحين
فهما قد تكونا مكافئةٌ تخصّ بالصّالحين وإن تبين كالجزاء، إلاّ أنه لا نجد فيها ذُل أوخزي أوخسارة للدنيا والأخرة ثمّ يكون مصيرهم الجنّة، وللإبتلاء فوائد كثيرة منها:
1ـ الابتلاء ضرورة للتمكين: التمكين في الأرض وتطبيق شرع الله – سبحانه وتعالى – فيها شرف عظيم لا يعطى إلاّ لمن يستحقه، ولا يحصل الا بعد التمحيص والتنقية ، لذلك كان الابتلاء معبراً للتمكين في الأرض وتطبيق حكم الله – سبحانه وتعالي فيها. " سأل رجل الشافعي فقال : يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى ؟ فقال : لا يمكّن حتى يبتلى ، فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أن يخلص من الألم ألبته (ص) ".
2ـ التصفية: الإبتلاء كذلك تصفية الجماعات الإسلامية مما يختلط بها من منافقين وكذابين، فإذا تعرض الجميع للابتلاء لا يثبت إلا الجماعة المسلمة الصادقة، أما المنافقون والكذابون فيتساقطون في ساحة الابتلاء . قال تعالى (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)[5].
3ـ تطهير وتزكية النفوس: إنّ النفس البشرية ميالة لإشباع شهواتها بأي طريقة مهما كانت العقبات، لا يضيرها ما يحدث لغيرها في سبيل تحقيق مأربها، لذا كان الابتلاء علاجاً لهذه النفس يزكيها، ويطهرها، ويمحصها، وينقيها ؛ لتتشرف بحمل رسالة الوحيد، فلا بد من الابتلاء " وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحص بالبلاء : كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كيد الإمحان ، إذا كانت النفس جاهلة ظالمة ".
4ـ لأجل التمايز: قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )[6] يظهر الابتلاء الفروق المميزة بين المؤمنين ؛ فالمؤمن القوي ثابت مهما تعرض للإبتلاءات لا يهزه الابتلاء، بل يزيده إيماناً وثباتاً على الحق ، وأصدق الأمثلة على ذلك الصحابي الجليل : بلال بن رباح، وقد ميزه الله سبحانه وتعالى على كثير من المؤمنين بالصبر، وقوة الإيمان والتحمل. فعندما تعرض أكثر الصحابة للإيذاء من صنديد قريش ظهر تميز بلال فلم يتفوه بكلمة تنال من عقيدته رغم تعرضه لأشد العذاب .
5- تكفير الخَطايا والسيئات: عندما يتعرض المؤمن للابتلاء، ويصبر عليه ويحتسب فإنه يكفر من خطاياه وسيّئاته قال (ص) (ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)، وقال (ص) (ما من مسلم يصيبه أذى، شوكه فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) وقال (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته).
6ـ رفع الدرجات: يرفع الله المؤمنين بتحملهم وصبرهم على البلاء درجات في الجنة قال (ما يصيب المؤمن من شوكه فما فوقها إلا رفعه الله بها درجه أو حط عنه بها خطيئة) وقال (ص) ( فليس من عبد يقع الطاعون ويمكث في بلده صابراً ويعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد).
7ـ إسعاد المؤمن: تدخل الإبتلاءات السعادة والسرور إلى قلب المؤمن لعدة اعتبارات منها : علم المؤمن أن الله إذا أحب قوما ابتلاهم لقولهِ (ص) (إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ؛ فمن رضي فله الرضاء ومن سخط فله السخط). ومنها : (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا) (من يرد الله به خيراً يصب منه).
شروط الإبتلاء عند الصّالحين:
1ـ عدم الخوف من الموت. 2ـ عدم الضّعف. 3ـ عدم اليأس. 4ـ عدم الذّل. 5ـ الصّبر وعدم الكُفر والعصيان. (وكأين من نبيٍّ قاتل معهُ الرّبيون كثيرٌ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعَفوا وما إستكانوا والله يُحبّ الصّابرين) آل عمران 146.
الإبتلاء أو الجزاء على شكلين
1ـ إمّا أن تكون عن طريق الإنسان لبني الإنسان مباشرةً:
قد يكون ظلم أشخاص فاسقين أوظالمين أو حُكّام طاغين وظالمين لبني إنسان سواء كان مظلوماً أو مذنباً، وقد يكون عن جزاء الإنسان أو الأقوام بالظّلم على أنفسهم إمّا بإرتكاب المعاصي أو الشّرك بالله أو عن الجهل بسبب عدم أخذ الأفراد التّدابير اللاّزمة لحفظهم من الأفات والأمراض ونحو ذلك. أمثلة على ذلك كثيرة ففي كتب التاريخ نرى ظلم كفّار القريش واليهود للرسول (ص) وأصحابه، وحتى ظلم المنافقين من المسلمين للرسول (ص) وفي إستشهادهم الخلفاء والصّحابة منهم عمر وعُثمان وعلي (رض)، والفتن التي وقعت في واقعتي الجمل والصفّين، ثمّ ظلم بعض حُكّام الأمويين والعباسيّين لأفراد شعبه، وظلم المنافقين عند إستشهادهم الإمام الحُسين حفيد (ص) في الكوفة وبأمرٍ من الخليفة الفاسقة يزيد بن معاوية، وظلمهم أيضاً لزيد بن علي بن الحُسين وغيرهم من أحفاد علي والحُسين وظلم الخليفة أبو عبّاس السّفاح والحجّاج بن يوسف الثّقفي للأمّة الإسلامية، وظلم عساكر هولاكو وتيمور لنك للشعوب المسلمة ، وكذلك نرى ظلم أفراد بعض الأحزاب الفاشية من المسلمين لشعبهم البائس ونحو ذلك. وقد يدوم ظلمهم بضع سنين لأنّنا نعلم أنّ الظّلم لا يدوم، وتكون نهاية هؤلاء الظّالمين كما نقرأ في التّاريخ تنتهي بالخُسران والذّل والخلد في نار جهنم. ومن الإبتلاءات الجماعية فمثلاً سلّط الله على الأمويون العباسيين، وللعباسيين سلّط الله عليهم هولاكو، ولهولاكو سلّط الله عليهم العُثمانيين، ولروسيا سلّط الله عليهم أفغانيين، وننتظر الأن تسلّط الله القوم المؤمن أينما كان على الأوروبيين والأمريكيين والإسرائيليين بأقرب وقت إن شاء الله كل ذلك إبتلاءات (ظلم مسلم على مسلم، ومسلم على كافر، وكافر على مسلم). وهكذا إلى يوم القيامة الإبتلاءات مستمرة، المهم أن نعرف كيف يمكن التّخلص من الجزاء وتحويل أعمالنا إلى الحسنات، ويكون كما ذكرنا بعدم إنخداعنا وتعيين حُكّام ظالمين دون رضا الشّعب، والبحث عن حقوقنا المشروعة بأيّ وسيلة كانْ، وأن نضع لأنفسنا دستوراً خاصاً بنا أو برنامجاً إقتصاديّاً أو سياسيّاً أو إجتماعيّاً ونحو ذلك حتى لا يمتحننا الله بتسليط ظالم أو كافر علينا.
وأن نعرف مسؤولياتنا تجاه الله والشّعب كقوله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقول الرّسول (ص) (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيتهِ) متفق عليه و(الظّالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثمّ ينتقم منه) رواه الطبراني والدّيلمي. و(من أعان ظالماً سلّطه الله عليه) رواه أبن عساكر و( السّاكت عن الحق شيطان أخرس). وهناك آيات وأحايث كثيرة أيضاً على مسؤولية العُلماء والحُكماء تجاه ربّهم وشعبهم وحتى ظُلمهم لهم فقال (ص) (إثنان إذا صلحا صلح النّاس وإذا فسدا فسد النّاس العُلماء والأمراء) صدق رسول الله (ص)، وهكذا الإبتلاء مستمرة مادامت الأخطاء موجودة عند الأفراد والأمم.
2ـ أو عن طريق الكوارث الطّبيعية والحوادث الكبيرة لبني إنسان:
كالفيضانات والزّلازل والحريق والطّوفان والحروب والأمراض والقحط ونحو ذلك، كلّ ذلك يتم بإرادة الله تعالى بلا شك، فالبلد الطّيب والشّعب الطّيب محفوظٌ من غضب الله تعالى كما أخبرنا الله تعالى في آيات كثيرة. وقد يكون الجزاءعن طريق الكوارث فردية أو جماعية ومن قبل الله تعالى مباشرةً منها: كما نرى ونسمع من غرقٍ وحرقٍ للأشخاص وموتٍ بالأمراض الخبيثة أو الإنتحار وغيرذلك، ومن الجزاء للشعب أو الأمة كحوادث (كوارث) الزّلازل، وكوارث الفيضانات والحريق والمجاعات والأمراض وكثرة الحروب كما نرى في قوم لوط عاد وثمود وفرعون وحكم الأمبراطورية السّاسانية والبابلية ونحو ذلك
كيف يتم الحصول على المكافئات من الإبتلاءات والخلاص من العقوبات؟
يكون بالإيمان بالله وبالعمل الصّالح وبالنيّة الصّادقة وبالإستغفار والتّوبة والدّعاء والسّعي من أجل إزالة أسباب البلاء والصّبر عليه شراً كان أو خيراً لأننّنا لا نعرف أيهما أخير لنا، وكذلك يكون بالرّجوع إلى الله تعالى والتّوكل عليه في كلّ أمورنا وبالحب والبغض لله تعالى ثمّ بالوحدة وبالحبّ وبالتّعاون مع المؤمنين بشرط عدم التّعصب والتّفرقة والظّلم، وعند الإختلاف يجب الرّجوع إلى القرآن والسّنة بعد الإيمان بهما، ثم أن لا ندخل أهوائنا ومصالحنا الشّخصيّة أوالجماعيّة والطّائفيّة في سبب حدوث الإبتلاءات لأنّها تحدث بإرادة الله والنّجاح فيها يكون عظيماً لنا، فالرّسول والصّحابة نجحوا في إمتحاناتهم وأصبحوا من العشرة المبشرة للجنة فالويل لنا لم نفهم مغزى هذه الإبتلاءات وأخذنا نستعملها في أغراض سياسية ذات المنافع الشّخصية وعلينا بدلاً من ذلك أن نأخذ الدروس منها وكيف أنّهم واجهوا هذهِ الفتن وكيف أنهم حققوا الأخوة الإسلامية كما في قول (إنّما المؤمنون إخوة) (ولا فرق بين أعجمي على عربي إلاّ بالتّقوى) (لايؤمن أحدكم حتّى يُحبّ لأخيهِ ما يُحبّ لنفسهِ) ثم نشروا الحُب والوحدة والتّعاون من أجل إحياء الدّين الإسلامي، وعلينا أن نتعلّم كلّ شيء وأن نعمل عملاً صالحاً كما أمرنا الله به في القرآن بالتّطبيق العملي لا بالقول أو التّكاسل وعدم المبالاة، وعلينا أن نحفظ أٌمّتنا الإسلاميّة من الأعداء وكذلك أوطاننا من الإستيلاء كما نحفظ إيمننا مهما أُتينا من الإبتلاءات لانّه بدونهما لا يُمكن إقامة الخلافة في الأرض، فقال تعالى (ياأيّها الّذين آمنوا مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبّهم ويُحبّونه، أذلّةٌ على المؤمنين أعزّةٌ على الكافرين، يُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمٍ ذلك فضلُ الله يؤتيه مًن يشاء والله واسٍعٌ عليم )[7]. (ومن يتولّ الله ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزبّ الله هم الغالبون)[8]. ولأجل الحصول على المكافئات من الإبتلاءات كذلك يجب علينا أن نكون أغنياء وذو إقتصاد كبير ونكون على قلبٍ طيّبٍ وأن نكون يقظين وأن لا ننخدع لمكر الأعداء، وأن نطالب حقوقنا، ونردّ الظّالم على ظُلمه، وأن ننتخب الحاكم العادل. بالإضافة إلى ذلك أن لا نكون متوكّلين أو قنوعين على أقدارنا وعلينا وأن نكون متطلعين لكافة ما يجري حولنا، وبعد التّمسك بأسباب النّجاح علينا بالتّوكل على الله والدّعاء له من أجل رفع البلاء علينا. وإذا عملنا ما أمرنا الله سوف نرى بعدها الرّاحة والسّعادة والحل الأمثل لمشاكلنا، ونكون في طمأنينة وأمان بلا شك. فهل يقبل العقل السّليم بأنْ يعمل ويسعى العدو ليلاً ونهاراً من أجل الوصول إلى هدفهِ، فيحضّر العُدّة والعدد والمال والمأوى ثمّ لا ينتصر! وحتى الرّسول (ص) نراه لم يستطع من حماية أصحابه في معركتي أحد وحُنين بسبب الخطأ الحاصل من الصحابة في عدم إلتزامهم أوامر القائد وغرورهم على كثرة عددهم، حدث ذلك مع وجود الرّسول (ص) فكيف نحن إذا أخطاءنا ولم نأخذ بالأسباب؟ فمثلاً في السّياسة إذا سعينا في إنتخاب حزب من الأحزاب أو وكيل من وكلاء النّواب (أعضاء مجلس الشّعب) الطّيبين الآهلين لإدارة الحكم فنكون قد أبعدنا البلاء وتوجهنا باب السّلام والرّحمة والنّجاح.
هل يُمكن أن يضمن الفرد حياة سعيدة لنفسه دون أن يذوق طعم البلاء؟
لايمكن لأي فرد عاقلٍ أن يقول أنا أستطيع أن أضمن حياتي بنفسي في كافة متطلّبات الحياة، لأنّني أستعينُ بعقلي ومالي وقوّتي وقدرتي وأولادي وأعواني وجنودي ونحو ذلك، والّذي يدّعي بهذا فهو إنسانٌ مريضٌ عقلاً وروحاً . لأن القرآن والسّنة يحذرنا من ذلك . ويقول الله تعالى في ذلك (ولنَبلُوَنَّكمْ بِشَيء منَ الخَوْف وَالجُوعِ ونَقصٍ من الأَموال وَالأَنفُس والثَّمرَات وبَشِّر الصَّابرينَ)[9]. (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حتَّى نَعلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ والصَّابرينَ ونَبلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[10] ويقول أيضاً (ولا تقولنّ لشيء إنّي فاعل ذلك غداً إلاّ أن يشاء الله)[11]. ويتبين من هذين الأيتين الإبتلاء من سنن الكون لابد أن يذوقه كل إنسان في الأرض ولا يمكن أن يتخلص من البلاء والجزاء أيّ إنسان في الأرض لآنهم لا يملكون شئياً أمام إرادة وقوة الله تعالى حيث يقول (قُل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلاّ ماشاء الله)[12]، لأنّه بالإرادة الجُزئية لا يُمكن أن يعمل الفرد شيئاً كثيراً و(فاقد الشيء لا يعطيه)، لأنّ قدرته لا يُساعده على ذلك، فبإرادة الله تعالى وبعد الدّعاء والأخذ بالأسباب يستطيع من وقاية نفسه من الأمراض أو تعجيل شفائه أوتأجيل موته وموت أحبّائه، وأن يوقف الفيضان أوالزّلازل وأن يمنع من هدر ماله ووقاية نفسه من جزاء الله ونحوه. فقال تعالى (قُل اللَّهم مالك المُلك تؤتِي المُلك من تشَاء وتَنْزع المُلك ممَّن تشَاء وَتعِزّ مَنْ تَشاءُ وتُذلُّ مَن تَشاء بِيدِك الخَير إِنّك على كُلِّ شيءٍ قَدِير)[13]. فالإنسان يجب أنْ يذوق مرارة الحياة وحلاوته، ومن شقاء الحياة وسعادته، وكلّ هذا يتم بفضل الله تعالى لا بفضل الأشخاص وقدراتهم.
محاضر في جامعة هيتيت بتركيا